«من يبحث يجد»، عبارة بليغة ائتممت بها بعد مقال الأحد الماضى الذى فتحت فيه ملف برامج التعليم المفتوح بجامعة القاهرة، فكم كنت متواضعاً فى تقديراتى التى بنيتها فى غياب أرقام واقعية عندما حددت عدد الملتحقين بهذه البرامج، وبالتالى حجم الأرباح التى تحصل عليها جامعة القاهرة نتيجة لذلك، فقد وجدت مؤشرات تقدر عدد الطلاب المسجلين بالتعليم المفتوح بجامعة القاهرة ب 200 ألف طالب، وأن من دخلوا آخر امتحانات فى التعليم المفتوح يقترب عددهم من 65 ألف طالب وطالبة، ومعنى ذلك أن جامعة القاهرة تحقق دخلاً مالياً من هذا البرنامج يتجاوز بكثير الرقم الذى ذكرته يوم الأحد الماضى (60 مليون جنيه) ليقدر بما يزيد على ستة أضعاف هذا الرقم أى ما يقرب من 400 مليون جنيه وحتى لو حسبنا الدخل طبقاً لعدد الممتحنين- فقط- فسنجد أنه يتجاوز 130 مليون جنيه. وبالتالى يمكن الاعتداد بالرقم الذى ذكرته (نقلاً عن الزميل رفعت فياض) حول حجم المكافأة الشهرية التى يحصل عليها رئيس الجامعة من البرنامج (600 ألف جنيه)، ومما يبرر ذلك أن عدد المكافآت التى يحصل عليها مدير مركز التعليم المفتوح بجامعة القاهرة يصل إلى 25 مكافأة، كما جاء فى رسالة بعث لى بها مجموعة من موظفى رعاية الشباب بجامعة القاهرة يزعمون فيها ذلك، وقد ورد فى هذه الرسالة أن مدير مركز التعليم يقبض مكافآت لا تقل عن مليون ونصف المليون من الجنيهات، فإذا كانوا يقصدون بهذا الرقم المكافأة السنوية له فمعنى ذلك أن مدير المركز يحصل على دخل شهرى يصل إلى (125 ألف جنيه). وفى ظل تقدير فوائض أموال التعليم المفتوح بمئات الملايين من الجنيهات يمكننا أن نخلص إلى أن أرقام المكافآت التى تحصل عليها القيادات الجامعية المسؤولة عن برامجه يمكن أن تقدر بالفعل بمئات الألوف من الجنيهات شهرياً. وفى سبيل حصد هذه المكاسب المهولة تم القفز على الكثير من المعايير والشروط الخاصة بقبول الطلاب ببرامج التعليم المفتوح. حدث ذلك، على سبيل المثال، عندما تقرر قبول الحاصلين على الثانوية العامة بهذه البرامج دون شرط مرور خمس سنوات على المؤهل، فقد خضع شرط المجموع الذى تم تحديده للالتحاق ببرنامج الإعلام لمناقصة «سرية» بالتنسيق بين كلية الإعلام والمركز، بدأت باشتراط الحصول على 75% لينخفض إلى 60%، ثم إلى 55%، والهدف من ذلك بالطبع يتمثل فى قبول أكبر عدد من الطلاب حتى تزيد الغلة، الأمر الذى ينعكس على المكاسب والمكافآت التى تحصل عليها القيادات، خصوصاً أعضاء مجلس إدارة التعليم المفتوح بالجامعة، وقد وصل اللهاث على جمع «الغَلَّة» إلى حد غير طبيعى عندما تم قبول بعض الطلاب بمجموع يقل عن 55% ليتم القفز على كل الشروط، بما فيها اجتياز الاختبارين التحريرى والشفوى. وحتى الملايين التى تتبقى من فوائض أموال التعليم المفتوح بعد التشبع بالمكافآت، يتم إنفاقها فى بنود عجيبة أبعد ما تكون عن خدمة العملية التعليمية بالجامعة أو برامج التعليم المفتوح، من ذلك على سبيل المثال توجيه مئات الألوف لشراء سيارات فارهة وشديدة الحداثة لتستخدمها القيادات فى تنقلاتها، بالإضافة إلى آلاف الدولارات التى تُدفع كبدل سفر للقيادات التى تذهب فى جولات بدول الخليج بذريعة متابعة أوضاع مكاتب التعليم المفتوح. والأدهى من هذا وذاك أن ملايين التعليم المفتوح التى وجهت خلال السنوات الماضية إلى تمويل بعض الإنشاءات داخل جامعة القاهرة أو فى فرع الجامعة الجديد بمدينة الشيخ زايد، قامت بالإشراف على تنفيذها مكاتب هندسية تابعة لبعض القيادات الجامعية كما يذهب البعض! وربما كانت أموال التعليم المفتوح أيضاً هى مصدر تمويل ذلك الحفل «الحافل» الذى نظمته جامعة القاهرة بمناسبة منح حرم الرئيس المخلوع الدكتوراه الفخرية! وبعدُ، لنا أن نسأل: ما هو موقع هذه الملايين «المملينة» على خريطة إصلاح العملية التعليمية والبحثية بجامعة القاهرة، وما هو مستوى الخدمة التعليمية التى يحصل عليها مصدر هذه الملايين من طلاب التعليم المفتوح؟ إن الكثير من طلاب التعليم النظامى، وكذا طلاب التعليم المفتوح، يشتكون من سوء مستوى الخدمة التعليمية التى يحصلون عليها، وأعضاء هيئة التدريس بالجامعة يصرخون من ضعف المبالغ المخصصة لخدمة أهداف البحث العلمى بالجامعة، حيث تصل مكافأة إشراف الأستاذ الجامعى على رسالة الماجستير أو الدكتوراه إلى ما يقرب من 260 جنيهاً، أما مكافأة مناقشة الرسالة العلمية فتصل إلى 89 جنيهاً! فهل يعقل أن تكون تلك هى المكافآت المخصصة للعمل البحثى، فى الوقت الذى يقبض فيه موظفو وقيادات الجامعة عشرات ومئات الألوف من الجنيهات نظير إدارة برنامج التعليم المفتوح. من جديد أضع هذه الحقائق أمام المجلس الأعلى للقوات المسلحة والدكتور عصام شرف، رئيس الوزراء، وأطالب بفتح تحقيق فى هذه القضية الخطيرة التى تمس المال العام فى مصر، مع وعد بكشف ما هو أخطر عبر المقالات القادمة!