الحكاية بدأت بخطاب أرسلته قارئة مسيحية تسألنى سؤالاً واحداً: «هل تستطيع أن تتخيل مشاعر المسيحيين عند سماع مثل هذا الخطاب؟». شعرت بالفضول، وفتحت الرابط فوجدته للشيخ «محمد حسين يعقوب» تحت عنوان «غزوة الصناديق». منذ اللحظة الأولى بدا لى الشيخ سعيدا ومتهللا بنتيجة الاستفتاء حتى بلغ من سعادته أنه طلب من الحاضرين أن تعلو أصواتهم بتكبيرات العيد!! بعدها بدأ خطبته ولم يكن هناك أى لبس فى أنه يعتبر الإجابة ب«نعم» هى نعم للدين. فالاستفتاء هو غزوة الصناديق، وبنص كلماته: «الشعب عاوز دى وإحنا بتوع الدين!!». كذلك أكد فضيلته أن الناس فسطاطان: فسطاط دين قالوا «نعم». وفسطاط آخر. ثم قال: «شكلك وحش لما تبقى فى الناحية اللى مافيهاش المشايخ». مؤكدا أن: «لما الشيخ يقولك آه يبقى آه حتى لو على خلاف هواك». ثم أنهى فضيلته الحديث بقوله: «ماتخافوش خلاص. البلد بلدنا». ■ ■ ■ استمعت للخطاب عدة مرات وقد شعرت بالأسف الشديد. نحن فى مشكلة حقيقية، بل أخطر المشاكل على الإطلاق. وهى مأساة «اختطاف الإسلام». الإسلام الذى هو ملك لى ولك، لصيادى السمك على شواطئ إندونيسيا، للشباب الماليزى الجالس على أجهزة الكمبيوتر، للنساء السمراوات فى غابات أفريقيا، للقابض على دينه فى البوسنة، لمدّاح النبى فوق جبال أطلس، لممالك أُقيمت وأُبيدت، لحضارات ازدهرت واندثرت، لروائح الهيل والقهوة العربى على موائد الحرمين، للساجدين على الرخام الأبيض فى الحرم النبوى، للمتعلقين بأستار الكعبة، للطائفين والعاكفين والرُكّع السُجُود. هذا الإسلام الجميل، الرَضىٍّ، المُتسامح، الذى نزل بحزن، يتم اختطافه على أيدى شيوخ يحفظون العلم الشرعى، لكنه لم ينفذ إلى أرواحهم، يستشهدون بأحاديث لم تخالط بشاشتها قلوبهم. يُنصّبون أنفسهم دعاة للدين وهم يجهلون غاياته ومراميه، وأولها وأبسطها أن إبداء السرور الزائد فى مثل هذا الموضع، ورفع الصوت بتكبيرات العيد، سوف يسبب شعوراً بالغيظ لمن قال «لا»، وبعضهم على غير دين الإسلام، فينفرون من دين اللطافة والرهافة والإحساس العالى والرقة. هذا مع أن أول مقاصد الشريعة صيانة الدين عن مواطن الغيظ، والتحبب والتلطف مع غير المسلمين كيلا يكرهوا هذا الدين! ألم يكن من هدى الرسول التحبب والتودد وخفض الجناح وقبول الأعذار وتأليف القلوب؟! (فبما رحمة من الله لنت لهم ولو كنت فظاً غليظ القلب لانفضوا من حولك). ■ ■ ■ أما حكاية غزوة الصناديق والفسطاطين وطاعة المشايخ، فقد سئمنا خلط المُؤقّت بالمُقدّس والدنيوى بالدين. وإذا اعترضنا قيل لنا «لحوم العلماء مسمومة!». طيب ولحم الإسلام سائغ طعامه حلال للآكلين؟! يا شيخ يعقوب إذا كان من اختاروا «نعم» قالوا نعم للدين، فهل معنى ذلك أن من قالوا «لا» قالوا لا للدين؟!. لا والله فأنا أعلم يقينا أن بعضهم يحبون الله ورسوله - ربما أكثر منك- ويرجون كل رفعة لهذا الدين. الإسلام ليس ملكك يا شيخ يعقوب، الإسلام ملك للجميع. [email protected]