سألت الدكتورة درية شرف الدين، فى الدوحة، عن الشىء الذى تفضل زيارته هناك، فقالت دون تردد: مؤسسة قطر للتنمية! ولم تمثل الإجابة مفاجأة لى، لأنى كنت أرغب فى الشىء نفسه، لنرى ملامح تلك المؤسسة، التى تضم، فى مجلس أمنائها، الدكتور أحمد زويل عضواً، وتتجمع فى داخلها خمسة فروع لأكبر وأهم خمس جامعات أمريكية فى تخصصات مختلفة! ولو أنت كنت فى قطر، وكان وجهك على شاطئ الخليج العربى، فى اتجاه الكويت شمالاً، وكان ظهرك إلى عمان جنوباً، فإن المؤسسة القطرية سوف تكون، من حيث موقعها، على يمينك، فإذا تطلعت إلى شمالك ستكون على موعد مع جامعة الملك عبدالله فى السعودية، وهى جامعة ظلت حلماً للملك، منذ كان ولياً للعهد، فلما صار ملكاً، بادر إلى إنشائها على الفور والإنفاق عليها بلا حدود بعد أن ظلت مجرد حلم فى داخله لمدة 25 عاماً! ولايزال المتشددون يقاومون الجامعة، كفكرة، ويرفضون الاختلاط فيها، ولكن الملك لا يلتفت إليهم، ويريدها جامعة حقيقية، كما يقول الكتاب! غير أن هذا كله كوم، والهدف من وراء المؤسسة القطرية والجامعة السعودية معاً كوم آخر.. فأنت عندها تقرأ عنهما، لابد أن تسأل نفسك: لماذا مؤسسة من هذا النوع، ولماذا جامعة على هذه الدرجة، وما الغاية فى النهاية! وحتى نجيب عن السؤال لابد أن نعود إلى الوراء قليلاً، ونتصور اللحظة التاريخية القديمة، التى كان فيها الفحم وحده مصدراً للطاقة، ولم يكن هناك بترول فى أى بقعة على امتداد الأرض، ولا كان هناك غاز طبعاً.. ولكنه الفحم وحده! وقد ظل الفحم متربعاً على عرش الطاقة، ومنفرداً به، لسنوات طويلة، إلى أن بدا البترول فى الأفق كبديل لنكتشف عند الضرورة أن الفحم لم يحدث أن اختفى كمادة، وإنما الذى حدث أن هناك بديلاً قد أزاحه عن العرش، وتولى مكانه ليبقى الفحم موجوداً إلى الآن، لولا أنه انحسر تماماً فى مواجهة البترول وانزوى فى ركن بعيد! ونحن فى هذه اللحظة نبدو وكأننا على مشارف لحظة مشابهة لتلك اللحظة التى كان قد ظهر فيها بديل للفحم، ولكن البديل الآن يتردد عنه الكلام، يوماً بعد يوم، فى مواجهة البترول ذاته، وهو، أى هذا البديل الذى يحتل أرضاً جديدة فى العالم كل يوم، يأتى مرة فى صورة سيارة تعمل بالطاقة الشمسية، ومرة بالطاقة الحيوية.. ومرة.. ومرة.. إلى آخره، ليبقى الدرس أن بديل البترول عندما يجىء، فليس معناه أن البترول قد اختفى، وإنما معناه أن هناك شيئاً آخر، كمصدر للطاقة، قد حل فى مكانه!.. بالضبط كما أن عصر البخار، كمحرك للقاطرات، لم ينته باختفائه وإنما بوجود بديل يحرك! وسواء جاء يوم اختفى فيه البترول، بالنضوب من باطن الأرض، وهذا طبعاً مطروح، ومحسوب بمسافات زمنية معينة، أو جاء يوم اختفى فيه البترول بوجود بديل له، فالنتيجة واحدة فى الحالتين، وهى أنه لا عائد من ورائه، وقتها، ولا فلوس، ولا ثروات على الدول البترولية من النوع الذى نراه ونتابع حجمه عاماً بعد عام! إذن.. ما الحل؟! الحل يتمثل كما نرى فى التعليم، ولا شىء غيره، فهو الذى سوف يكون بترولهم، حين يتعرض البترول للانزواء، بأى طريقة كانت! البترول كما اكتشفوا هم، وكما تقول أى حقيقة علمية الآن، سوف يستيقظون عليه ذات صباح، فلا يكون له وجود، وسوف يكون البترول الباقى هو التعليم، الذى من أجله أنشأوا تلك المؤسسة، وهذه الجامعة! التعليم الذى يستثمر فى عقول البشر بهذه الطريقة هو البترول المؤكد الباقى الذى لن ينفد فى أى يوم، ولن ينضب فى أى لحظة.. والسؤال هو: أين بترولنا نحن فوق الأرض، إذا كانت الطبيعة قد عاقبتنا فجاء شحيحاً تحت الأرض؟!