حتى شكل الإعلام المباركي الذي يتوعد ويهاجم الوزراء ويصل أشجع من فيه إلى مرحلة السخرية من رئيس الوزراء ويهدده أن الرئيس سيتدخل في الوقت المناسب ويقصيه من موقعه.. حتى هذا الشكل الكوميدي لا يرضي الرئيس ويعتبره مساعدة يقدمها الإعلام للخونة و"أهل الشر". يريد الرئيس إعلاما "يهمس في أذن المسئول ويلفت نظره للسلبيات" بتعبيره أثناء حملته الانتخابية، ويرى أن أزمة انقطاع الكهرباء بهذا الحجم المرعب في يوم واحد يتطلب الصبر وتقديم الأعذار، لا يرضى حتى عن التغطية الإعلامية التي أعطت الفرصة للمسئولين في وزارة الكهرباء والمحافظين ليتحدثوا عن استعدادهم للأزمة وأن كل الأمور تحت السيطرة إلى جانب صوت المواطنين المفزوعين المستاءين مما جرى على مدار الشهور الماضية ووصل إلى ذروته في هذا اليوم. لم يخرج الرئيس مرة إلا وتحدث عن الإعلام وطالبه بأشياء وصاغ له خارطة طريقه وانتقد أسلوب تغطيته لأمر ما أو طالبه بشرح الخطر الذي تتعرض له البلاد. تظن السلطة الحالية ومحبوها - كما يظن الإخوان- أن مرسي ومن معه رحلوا بسبب الإعلام وليس بسبب فشلهم أو حماقاتهم في الإدارة ومعاداة البشر وتحريضهم وطائفيتهم عبر وسائل إعلامهم، وتضاعف رعب محبي الدولة من انتقاد باسم يوسف لهيستيريا ما بعد الثالث من يوليو لأنهم اقتنعوا أن ذلك هو الذي يهدد الصورة التي يرسمونها بأن كل الأمور تمام وأننا أزحنا الإخوان وبدأنا "نشتغل بجد" فسنصبح قد الدنيا وألا وقت لهذا العبث ولابد من اثبات أننا لن نسمح بالنيل منا بسخرية كما فعل مرسي لأننا سنضرب كل من يفعل ذلك بيد من حديد. ما إن تنتهي حلقة أو مداخلة تليفونية في برنامج عن انتهاك تعرض له مواطن أو ناشط أو أزمة تسبب فيها اهمال مسئول أو شبهة في وساطة أو محسوبية حتى تنتفض اللجان الإلكترونية المحبة للدولة وتعتبر ذلك مؤامرة يدسها الإخوان وأن هيلاري كلينتون قالت ذلك في مذكراتها وأن صاحب هذا الاتهام يتلقى أموالا مقابل تهديد الدولة بهذا الشكل وأننا تحاك ضدنا مؤامرات ولا ينبغي لفت الأنظار بعيدا عن ذلك. تريد الدولة ومحبوها إعلام الخطر الذي لا يرى من كل المشهد إلا ما يجري في سوريا والعراق..الموضوع على أهميته وخطورته وكارثيته تحول بسبب هذا الجنون والتغطية الساذجة والالحاح المزعج إلى أمر استحق سخرية الجميع على مدار الأيام الماضية. وهو ما يكشف إلى حد كبير كيف وصل إعلام الحديث اليومي عن المؤامرات وأننا أحسن من غيرنا إلى هذه النتيجة العكسية. وكيف وصلت هذه النتائج العكسية في بعض الأحيان إلى حد انزعاج أقطاب في تحالف يونيو كما في واقعة المهندس نجيب ساويرس أحد أبرز رجال الأعمال في مصر والشريك في ملكية أهم وسائل الإعلام المصرية الذي اعتبر برنامج "الصندوق الأسود" أحد أشكال إعلام الخطر وكشف المؤامرات ونشر التسجيلات المسربة التي لم ترى فيها الدولة أي انتهاك ولم تزعجها مهزلة قد يؤدي إلى تعاطفه مع الإخوان أو حديث الصحفي ياسر رزق عن تدخل هيكل لمنع عبد الرحيم علي من نشر تسريبات تتعلق بالمرشح الرئاسي السابق حمدين صباحي. أو حتى انتقادات الخبير الإعلامي ياسر عبد العزيز أحد المقربين من حملة السيسي الانتخابية لشكل الإعلام والتعامل معه ومهام المجلس الوطني المقترح للإعلام. في 2014الأستاذ هيكل حي بيننا لكن الارشاد والتوجيه رحلا منذ زمن.. بمسيرات ووقفات احتجاجية ورفع لسقف التعبير والحرية وحق المعرفة وأثمان لن يتنازل عنها الصحفيون لأنها دفعت من أرواح زملائهم وحريتهم.. والأخبار لم يعد مكانها القنوات والصحف فقط.. في يد كل مواطن هاتف وحساب على تويتر وفيسبوك.. الفيديوهات تنتقل والصور الساخرة بشكل لاذع يعجز أمامه رسامو الكاريكاتير والكتاب الساخرون وما ستمنعه التوجيهات والحديث عن "الإعلام الوطني" سيجد طريقه إلى الجمهور وبشكل أكثر نفاذا وتأثيرا. نعم..في الشارع عنف وأزمات وإرهاب ومأساة إقليمية وصلت إلى حد طرد آلاف من الأقليات عبر الحدود، وذبح على الشاشات وميلشيات تتقاتل على بعد أمتار من حدودنا..هذه أمور وملفات تحتاج اهتمام الإعلام بشكل يومي وتناول مهني لكن المواطن يحتاج كذلك أن يعرف لماذا يدخل الآلاف في حبس احتياطي بسبب قانون لم يمنع أي عنف أو ارهاب بل تسبب في حبس مئات المسالمين الذين لا نعرف كيف ستكون حياتهم بعد خروجهم مرة أخرى، وكيف يسير اقتصادنا إلى جانب الوعود الجميلة عن الرخاء القادم؟ وهل استعدت الدولة للحظة التي يعود فيها ألفا فرد مصري –بحسب تصريح أحدهم لرويترز- انضموا لداعش ؟ وما أسباب هذا الاهمال في قطاعات السياحة والآثار والصحة ؟ وهل حوسب أحد على فضيحة علاج الإيدز وفيروس سي؟ وإلى متى يستمر ماسبيرو بأعداده المهولة وفشله الذي لا يتوقف على الجانبين الاقتصادي والمهني؟.. هذه أسئلة وأخطار أيضا يدفعنا استمرارها إلى الهاوية كما يفعل الإرهاب وأهل الشر. اشترك الآن لتصلك أهم الأخبار لحظة بلحظة