جدول امتحانات الشهادة الإعدادية الأزهرية 2025 الترم الثاني    البابا تواضروس يستقبل صاحبي القداسة بطريرك السريان وكاثوليكوس الأرمن في مركز لوجوس    محمد صلاح: لدي فرصة جيدة للفوز بالكرة الذهبية.. والجماهير كانت قاسية على أرنولد    الصفقة حُسمت.. ريال مدريد يضم هويسن ويفعّل بند فسخ عقده    السياحة: اليوم انطلاق أولى رحلات الحج البري لموسم حج 1446 ه    ماكرون يكشف رفض بوتين المقترح الأمريكي الأوربي لوقف الحرب في أوكرانيا: روسيا لا تريد السلام    بترو أتلتيكو يفوز على البنك الأهلي في كأس الكؤوس الإفريقية لكرة اليد    السيطرة على حريق شب بمحول كهرباء بقرية نوى في شبين القناطر    رحيل الفنان التشكيلي عصمت داوستاشي.. ابن الإسكندرية المتمرد الذي حفظ ذاكرة الفن    عادل إمام.. «الشروق» تكشف تفاصيل مشروع فيلم وثائقى لم يكتمل عن الزعيم في عيد ميلاده ال85    ارتفاع كميات القمح الموردة لصوامع المنيا إلى 330 ألف طن    "المستلزمات الطبية" تناقش مشكلات القطاع مع هيئتي الشراء الموحد والدواء المصرية الاثنين المقبل    قبل تقديم النسخة المحلية.. كم يبلغ سعر النسخة المستوردة من جيتور X70 Plus بسوق المستعمل    الأهلي يهزم مسار بركلات الترجيح ويتأهل لنهائى كأس مصر للكرة النسائية    مصر تتوج بلقب البطولة الأفريقية للمضمار بحصدها 51 ميدالية    محمد فاروق حامد قائما بأعمال رئيس مصلحة الشهر العقاري    إسرائيل تنفذ 10 هجمات على 3 مواني يمنية تخضع لسيطرة الحوثيين    مستشار النمسا في «تيرانا» للمشاركة في قمة أوروبية    أسرة عبد الحليم حافظ تكشف حقيقة زواجه من إحدى المشاهير (مستند)    الأوقاف تصدر العدد الجديد من مجلة "الفردوس" للأطفال    اغتنم الفرصة الذهبية.. أدعية مستجابة في ساعة الاستجابة... لا تفوّت الدعاء الآن    البابا ليو الرابع عشر يعرض استضافة محادثات سلام بين روسيا وأوكرانيا في الفاتيكان    ضمن خطة تنمية سيناء.. تفاصيل تنفيذ مشروع خط السكة الحديد (بئر العبد – العريش – رأس النقب)    النيابة تحيل "سفاح المعمورة" للجنايات بتهمة قتل 3 أشخاص بينهم زوجته    ننشر الجدول المعدل لطلاب الثانوية العامة بمدارس المتفوقين 2025    هربًا من حرارة الجو.. غرق طفل في ترعة الدناقلة بسوهاج    "أساسيات حقوق الإنسان".. دورة تدريبية بمكتبة مصر العامة بأسوان    التعليم العالي: معهد تيودور بلهارس يحتفي بتكريم أوائل طلبة التمريض بالجيزة    "باعت دهب أمها من وراهم".. فتاة تتخلص من حياتها خوفا من أسرتها بقنا    حسام زكى: سنطرح إنشاء صندوق عربى لدعم التعافى وإعادة الإعمار بدول النزاعات    حبس بائع تحرش بطالبة أجنبية بالدرب الأحمر    ميناء دمياط يستقبل 12 سفينة خلال 24 ساعة.. وتداول أكثر من 93 ألف طن بضائع    بسنت شوقي: فراج بيسألني «إنتِ مش بتغيري عليا ليه»    وزير الثقافة الفلسطيني يفتتح مهرجان العودة السينمائي الدولي في القاهرة بكلمة مسجلة    البحيرة: 938 مواطنا يستفيدون من قوافل طبية مجانية في قريتي العكريشة وبولين    حماس: الاحتلال يستخدم سياسة الأرض المحروقة في غزة    قانون العمل الجديد| السماح للعامل بالعمل لدى أكثر من جهة بشرطين    مستثمر سعودى يشترى ألميريا الإسباني ب100 مليون يورو    الزمالك يبدأ الخطوات الرسمية لرفع إيقاف القيد بالتواصل مع "فيفا".    المفتي: الحج دون تصريح رسمي مخالفة شرعية وفاعله آثم    شكاوى المواطنين تنهال على محافظ بني سويف عقب أدائه صلاة الجمعة .. صور    الإمارات تهدي ترامب "قطرة نفط واحدة".. والأخير ساخرا: لست سعيد بذلك    الدقران: غزة تتعرض لحرب إبادة شاملة والمستشفيات تنهار تحت وطأة العدوان    وزير الكهرباء يتابع مستجدات تنفيذ مشروع المحطة النووية بالضبعة    منازل الإسرائيليين تحترق.. النيران تمتد للمبانى فى وادى القدس    ب"فستان جريء"..هدى الإتربي تخطف الأنظار بإطلالتها بمهرجان كان والجمهور يغازلها (صور)    وفاة طفل وإصابة اثنين آخرين نتيجة انهيار جزئي لعقار في المنيا    محافظ الجيزة: ضبط 2495 قضية خلال حملات تموينية    كاف يكشف عن تصميم جديد لكأس لدوري أبطال إفريقيا    حال الاستئناف، 3 سيناريوهات تنتظر نجل الفنان محمد رمضان بعد الحكم بإيداعه في دار رعاية    الإسكان: قرارات إزالة لتعديات ومخالفات بناء بالساحل الشمالي وملوي الجديدة    أسعار الأسماك في بورسعيد اليوم الجمعة 16 مايو 2025    حبس متهم بالتعدى على طفلة فى مدينة نصر    الصحة: خبير من جامعة جنيف يُحاضر أطباء العيون برمد أسيوط    طريقة عمل السمك السنجاري فى البيت، أحلى وأوفر من الجاهز    الدوري الإسباني.. بيتيس يبقي على آماله الضئيلة بخوض دوري الأبطال    أبو شقة: لدينا قوانين سقيمة لا تناسب ما يؤسس له الرئيس السيسي من دولة حديثة    هل الصلاة على النبي تحقق المعجزات..دار الإفتاء توضح    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الرخام في إيطاليا
نشر في المصري اليوم يوم 15 - 04 - 2014

صعدنا الجبل لمدة طويلة، ولما توقفت السيارة ظننت أننا وصلنا إلى قمة الجبل، ولما نظرت لأعلى وجدت قمة الجبل بعيدة ورأيت المدينة صغيرة من تحتي! ونحن في طريق الصعود أشار رفيقنا الإيطالي إلى مكان وقال: هذا محجر مايكل أنجلو، وكان يأخذ الرخام منه! وبعده بقليل، أشار إلى مكان آخر، وقال: من هذا المكان نحت موسيليني مسلته.. ثم واصلت السيارة صعودها على طرق مزعجة أحيانًا من الضيق وأحيانًا من زاوية الارتفاع.
جبل كرارة هذا يقع في المنطقة التى سميت باسمه. وهو في إقليم توسكاني، حيث بدأت النهضة الأوروبية، فذلك الإقليم يضم مدنًا مثل بيزا الساحلية التي بها البرج المائل، والتي احتوت على أشهر مناظرة بين فهم العلم وفهم الدين في القرون الوسطى، والتي راح ضحيتها العالم الجليل جالليو جاليلي. والطبيعة في ذلك الإقليم ساحرة، فحيثما تنظر تجد هناك جبلاً شاهقًا تكسوه الخضرة والأشجار، وقمته تعانق السحاب، وبين سهوله وأوديته تقع مدن كثيرة وكذلك قرى، والبحر الأبيض بجوارك.
المدهش، على الأقل بالنسبة لي، أن الخدمات التى تجدها في أي قرية هي نفس الخدمات الموجودة في أي مدينة، وكذلك متوسط الدخل يختلف بفروق بسيطة في أجر الساعة (من 7 إلى 10 يورو) بحسب المهنة. حتى في مجال التعليم: المدارس الخاصة تكاد تكون معدومة، والأساس هو للمدارس التابعة للدولة! ولكي يستطيعوا تقديم كل تلك الخدمات تأخذ الحكومة ضرائب لا تقل عن 46% في بلد رأسمالي جدًّا!! لكن هذا لا يعني أن إيطاليا تعيش في رغد من العيش، فخلال هذا الأسبوع كانت هناك مظاهرات في روما ضد خطة التقشف التي تفرضها الحكومة. فمنذ عدة سنوات وبالتحديد بعد الأزمة المالية العالمية، تعاني إيطاليا من مشاكل مالية عديدة عصفت بالدولة وبشركات كبرى مثل الخطوط الجوية الإيطالية وغيرها.
لاحظ أن تعداد الشعب الإيطالي انخفض من 65 مليونًا في سبعينيات القرن الماضي إلى 55 مليونًا الآن، وأن كل 2 على المعاش يقوم بخدمتهما 3 من قوى العمل الآن، ما دفع الحكومة إلى رفع سن المعاش إلى 66 عامًا! لاحظ أيضًا أن أكثر من 60% من مواليد إيطاليا هم أبناء مهاجرين!! وكأن إيطاليا لمن سبق في الهجرة. للعلم يوجد حوالي 60 ألف مصري في ميلانو وحدها، ولكن يوجد أضعاف هذا العدد من جنسيات أخرى (بالإشارة يفهم).
وبعد الاستطراد نعود لكرارة، التى تنتج أشهر أنواع الرخام. وجدنا مصانع ومحاجر كثيرة بلا غبار (سحالة) وبلا ضوضاء (من أصوات المناشر) وبنسبة هالك في الاستخراج والتصنيع بسيطة للغاية لا تتعدى 5% (تصل هذه النسبة في مصر إلى 40%)! هذه المصانع يقوم بتشغيلها عدد قليل جدًّا من العمال، فمصنع فورير الذي يعد أكبر مصنع رخام في إيطاليا يعمل به 42 عاملاً وموظفًا (ثمن خامات الرخام في ساحة المصنع 6 ملايين يورو). والوضع لا يختلف كثيرًا في المحاجر، تخيَّل!! الوضع الطبيعي في المحجر أن هناك عددًا لا يزيد على 4 أو 5 عمال في الموقع يعملون كل مراحل استخراج الرخام.
ولكي تتمكن معي من الوقوف على المشهد، تخيل أنك واقف على جبل وفي يدك حفار يعمل بالكهرباء، ذلك الحفار عبارة عن شاكوش (دائري) يحفر الصخر بطريقة رأسية ويحدث قناة بالعمق الذي تريده، ثم تقوم بتحديد ثلاثة جوانب (طول في أول الكتلة، طول في آخر الكتلة، وعرض أسفل الكتلة) في كتلة الرخام (بلوك) التى تريد استخراجها، ثم يأتي دور جهاز ثانٍ عبارة عن دائرة بها سلسلة حديدية، يتم إدخال السلسلة في القنوات التى أحدثها الحفار حول الكتلة، ثم تدور السلسلة لتنحر الكتلة في جانب واحد، ثم تفعل ذلك في جوانب البلوك حتى تنفصل الصخرة من جسم الجبل، ثم تفعل نفس الشيء أسفل بلوك الرخام، وبعدها يدخل بلدوزر ليحمل الصخرة ويضعها في أول المحجر، إلى أن يتم تجميع عدد مناسب من البلوكات فيتم تحميلها على سيارات نقل كبيرة تذهب إلى المصانع أو للميناء مباشرة للتصدير.
أحجام كتل الرخام تعتمد على الحجم الذي تحفره! مثل فطيرة بيتزا أمامك، إذا لم يقم الطاهي بتقطيعها إلى قطع صغيرة يمكنك أن تجعل القطعة الواحدة نصف حجم البيتزا. الأمر المتعارف عليه أن يكون بلوك الرخام 2.07 متر مكعب (طول * عرض * ارتفاع) والبلوكات بهذا الحجم مناسبة جدًّا لمنشار الرخام بداخل المصنع. وفي حال ورود بلوكات بأبعاد مختلفة، يتم نشر الزوائد بداخل المصنع بنفس الجهاز الذي ينحر الرخام في الجبل.
أعتذر عن الحديث بتفاصيل فنية كثيرة، وسأقفز الآن إلى النقاط المهمة: المتر المكعب رخام يزن حوالي 2.77 طن ويتحول إلى 8-10 أمتار رخام مربعة. ثمن متر الرخام يعتمد في الأساس على نوعية الطلب عليه. فهناك أنواع للرخام ب120 يورو للمتر، وهناك أنواع تصل إلى 600 يورو. والسؤال: كم يساوي متر الرخام في مصر؟ وقبل الإجابة ألفت الانتباه إلى أن إيطاليا بها 5 أو 6 أنواع للرخام متنوعة الألوان ومصر بها حوالي 45 لونًا متوزعة جغرافيًّا من العريش حيث الأبيض والأزرق إلى وسط سيناء حيث الأسود والأحمر، وألوان أخرى لا توصف من الجمال، إلى سلسلة جبال البحر الأحمر إلى المنيا إلى أسوان بمخزون يقدر بحوالي مليار طن رخام في المحاجر، تم استخراج حوالي 5% منها منذ عهد الفراعنة وإلى الآن!
سعر متر الرخام المصري بحسب لونه يتراوح بين 15 دولارًا و25 دولارًا!! وأغلبه للتصدير. أما السوق المحلية فتنقسم إلى قسمين: قسم تصنيعي في منطقة شق الثعبان أمام سجن طرة (كان المساجين يعملون به ثم تحول إلى منطقة صناعية بها أستثمارات كبرى)، وقسم آخر في منطقة السيدة عائشة لبيع الرخام!! وإذا أراد «زبون» أن يشتري الرخام فعليه أن يقصد أيًّا من المنطقتين أو أن يستعين ب«صنايعي» معروف ليعرض عليه الأنواع ويتفق معه على مقاولة التوريد والتركيب!! ولا توجد شركة واحدة تقوم بعمل ماركة خاصة وتفتح محال على غرار المتبع في صناعة السيراميك مثلاً!!
ثم يشتكي المسؤولون في مصر من أن الرخام المصري يهدر ويباع للصين بأرخص الأسعار ثم نعود ونستورده بأغلى الأسعار!! وأنا أرجوك أن تسأل من حولك ممن تعرف أن لديه رخامًا في بيته أو مكتبه: هل اشترى الرخام من تاجر صيني؟ الصين يا سادة تستورد الرخام من كل الدنيا وتصنعه وتبيعه لكل الدنيا وتستهلكه محليًّا أيضًا!! وللعلم، إيطاليا تصدر أكثر من 70% من الرخام بلوكات مستخرجة من الجبل بدون تصنيع!! وإنما الخلل لدينا أننا لا نحصل الكثير من قيمة الرخام ونفرط فيه بثمن بخس، ليس لأنه بلا قيمة ولكن لأننا لا نعرف قيمته! ولا توجد لدينا سوق محلية قوية تضع صناعة الرخام في المقام الأول بدلاً من صناعة السيراميك الملوثة للبيئة! بلوك الرخام في إيطاليا يصل ثمنه إلى 4000 يورو في المتوسط، وأرجوك أن تتصل بأي أحد تعرفه في صناعة الرخام في مصر وتسأله: «بكام بلوك الرخام في مصر»؟
هذا وجبل كرارة، حيث المحاجر، يوجد بجوار ساحل البحر مثل جبال البحر الأحمر والسويس والعريش، وأسفل منه مباشرة توجد مدينة سكنية كبيرة، وبها مصانع الرخام. ويلي المصانع بكيلومترات قليلة ميناء للتصدير لمختلف أرجاء الدنيا، وكذلك ملحق بالمدينة شبكة طرق واسعة تستطيع الشحن لأي مكان في إيطاليا! في حين أغلب مصانع مصر في منطقة واحدة بمدخل المعادي (يوجد بعض المصانع في 6 أكتوبر وقلة صغيرة في السويس وواحد في العريش وواحد في أسوان وواحد في المنيا). وبهذا تنضم صناعة الرخام إلى مسلسل الهدر والفرض الضائعة، ولا توجد شركة مشهورة ذات ماركة معروفة في عالم تصميم الرخام! بل كل من يعمل في هذه الصناعة لابد أن يملك مصنعًا!!
مشكلة الرخام في مصر- كما أراها- في عدم وجود سوق محلية قوية تستطيع أن تستغل كنوز مصر المهدرة وغير المستغلة. وكذلك في غياب عنصر الطاقة عن المحاجر يجبر مستأجر المحجر على الاستعانة بمولد كهرباء يعمل بالوقود وبعمال يعملون في ظروف قاسية! ولا يوجد تخطيط جغرافي لوجيستي لتوزيع مناطق صناعة الرخام، بحيث يكون المحجر في سوهاج وأسيوط والمنيا، ويكون المصنع في سفاجا بجوار الميناء. وهذا أقل القليل مما يجب فعله. ولا يوجد استعمال لبواقي الرخام في المحجر، بحيث تتحول إلى بودرة تستخدم في الدهانات وفي صناعة معجون الأسنان وتبييضها، ولا يوجد إلا القليل الذي يعمل في بواقي مصانع الرخام، وتُصنع منه منتجات كثيرة للزينة ومنها تبليط الأرصفة كما هو الحال في إيطاليا. وقد يكون هناك من يحاول ولكن لا نعرف عنه شيئًا. ودمتم..


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.