قال الرئيس حسنى مبارك فى حديث إلى قناة تليفزيونية أمريكية إنه «زهق» من الحكم، ولا يبقى فيه إلا لتجنب الفوضى، ولا شك أن الرئيس صادق تماماً فى قوله إنه «زهق» من الحكم فمن الطبيعى أن «يزهق» أى إنسان إذا ظل يفعل كل يوم نفس الأشياء لمدة ثلاثين سنة، ولكن يا سيادة الرئيس لقد وقعت الفوضى بالفعل، وما تعيشه مصر هذه الأيام من فوضى ليس له مثيل فى العالم، وبالتالى انقضى سبب الاستمرار فى الحكم حسب ما تقوله بنفسك. ثورة 25 يناير لم تقطع الموبايل ولا النت، ولم تطلق المجرمين من السجون ليروعوا الشعب ويحرقوا وينهبوا ولم تسحب الشرطة من الشوارع والأقسام لمساعدة المجرمين، ولم تلجأ إلى سلاح البلطجية ضد المتظاهرين، وإنما قام بذلك قيادات النظام السياسى تحت قيادتكم للدفاع عن استمراره واستمرارهم، وقد قالها فنان الشعب يوسف شاهين فى آخر أفلامه قبل وفاته «هى فوضى» وواصل تلميذه خالد يوسف التعبير عن نفس المعنى فى فيلمه «حين ميسرة»، الذى ينتهى عام 1911 وقد أصبح الحكم فى الشوارع للبلطجية، ويجمع بين الفيلمين كاتبهما ناصر عبدالرحمن الذى رأى المستقبل القريب وحذر منه. أتفق تماماً مع الفريق أحمد شفيق فى أن الرئيس مبارك ليس مثل رئيس تونس السابق، وقد ذكرت ذلك فى ختام مقالى يوم الخميس الماضى، بل ذكرت فيما أعتقد أنه نيابة عن كل الشعب أنه ليس هناك مصرى واحد ينسى تاريخ الرئيس مبارك ولا يقدر هذا التاريخ الذى لن يمحى أبداً ولكن القضية الآن ليست التاريخ وإنما الحاضر والمستقبل، وقد ناشدتك أن تغادر الحكم بطلاً كما جئتنا بطلاً، والبطولة اليوم أن تحل الحزب الحاكم وتوقف سلاح البلطجية وتترك الحكم للجيش لفترة مؤقتة لتجنب المزيد من الفوضى والخراب. وقد عبّر الدكتور محمد نور فرحات، أستاذ القانون المعروف، فى مقاله يوم الجمعة فى «المصرى اليوم» عن أفضل سيناريو للإنقاذ وانتقال السلطة سلمياً بأن يعلن النظام إيقاف العمل بالدستور استناداً إلى شرعية ثورة 25 يناير، وحل مجلسى الشعب والشورى، وتفويض نائب الرئيس بسلطات الرئيس، وأن يشكل النائب مجلس أمناء الدولة والدستور برئاسته، ليعمل فى ظل إعلان دستورى مؤقت لفترة انتقالية محددة، وتشكيل حكومة انتقالية تضم ممثلى كل القوى السياسية. لقد دفع الشعب المصرى ثمن الحرية غالياً من دماء الثوار، ومن الخسائر المالية التى تزداد كل ساعة، وقد كان ثمن الحرية غالياً دائماً، ولكن لا أحد يملك الحق الأخلاقى الذى يفوق الحق الدستورى فى أن يدفع الشعب ثمن الحرية ولا يحصل عليها. إننا لا نختار بين الحرية وإهانة الرئيس مبارك، فلا أحد يوافق على إهانة الرئيس وإنما الكل يريد عدم الاستمرار فى إهانة مصر باستمرار النظام على أى نحو، ومن يتصور أن الفترة حتى سبتمبر يمكن أن تكون فترة استقرار، أو عودة الاستمرار الذى كان يسمى استقراراً، فهو واهم تماماً، ولا يدرك أن الاستقرار بهذا المفهوم قد انتهى فعلاً وليس على وشك الانتهاء، وعلى كل من يريد أن يمسك العصا من الوسط أن يصمت لأن حديثه أصبح مثل صمته، وعليه أن يكتفى بما جمع من غنائم على حساب الشعب ويهرب من عقابه إذا استطاع. من العار عليكم القول إن ثورة مصر قادتها قناة «الجزيرة»، ومن العار القول إن المتظاهرين من أجل الحرية هم الذين حرقوا ونهبوا، ومن العار القول إنها ثورة ميدان التحرير، وإنما هى ثورة الشعب فى كل مصر تقودها مظاهرات ميدان التحرير، ومن العار القول إنها ثورة الشباب، وإنما هى ثورة كل الأجيال يقودها الشباب، ومن العار القول إنه شباب غير مسيس، وإن لم تكن المطالبة بالحرية وإسقاط النظام سياسة فماذا تكون السياسة، ومن العار القول: صدقونا وإذا لم نصدق عودوا إلى ميدان التحرير، وكأن الشعب يلعب مع الحكومة «استغماية». قال بريخت وهو يقاوم الفاشية «مادامت الأمور قد وصلت إلى هذا الحد، فإنها لن تستمر بعد هذا الحد»، ولا يسرق الثورات إلا من قامت ضدهم، ومن الممكن سرقة الشعب، ولكن من المستحيل سرقة ثورة الشعب. [email protected]