لو كنت مدرساً للتاريخ، كنت أقول: يا أولادى وبناتى، أنتم أحفاد أول حضارة علمت العالم كل شىء.. الدين.. الطب.. الفلك.. الكيمياء.. الهندسة.. المعمار..، حتى جاء رجل شرير فارسى اسمه قمبيز.. احتل بلادنا.. ومنذ ذلك التاريخ 525 ق.م توالت الغزوات، ولكن مصر كانت دائماً تعطيهم الحضارة والعلوم، كانت مصر تؤمن بالله.. وكانت تصلى وتصوم وتحج وتزكى «الزكاة» حتى جاءت المسيحية ومن بعدها الإسلام، فأصبح هناك مسيحيون ومسلمون، يعيشون مع بعضهم فى حب وسلام. مر على مصر.. حكام حلوين، وحكام وحشين، كان منهم واحد ظالم اسمه خورشيد باشا، وكان والياً على مصر فى عهد احتلال الأتراك العثمانيين. ثار الشعب المصرى كله بقيادة عمر مكرم، جرجس الجوهرى، عزلوا خورشيد باشا، وأتوا بمحمد على باشا مؤسس الأسرة العلوية، ولأول مرة من 2500 سنة احتلالاً.. دخل المصريون الجيش، وتقلدوا المناصب العليا، وتملكوا الأراضى.. وخرجوا فى بعثات لأوروبا. جاء سعيد باشا ابن محمد على، وكان فى عصره البابا كيرلس الرابع المسمى «أبوالإصلاح» أنشأ المدارس للبنين ولأول مرة للبنات، كان رجلاً عظيماً أوقف حرباً كانت ستقوم بين مصر وإثيوبيا، كما كان سعيد باشا رجلاً عظيماً عرف أن قوة مصر فى وحدتها وتوحدها، فكان حاكم السودان قبطياً «كانت السودان تابعة لمصر»، كما سمح للجنود المسيحيين بممارسة طقوسهم الدينية فى الجيش. ثم تولى الحكم إسماعيل باشا، فكان أول مجلس شورى عدده 26 منهم ثلاثة من الأقباط، كما كان رئيس ديوانه، وسكرتيره الخاص، ومحافظ المنوفية، محافظ القليوبية، رئيس إدارة السودان.. جميعهم من الأقباط، وحتم على أن يكون الأقباط مع المسلمين فى أى بعثة علمية للخارج، وهكذا عاشت مصر عصراً ذهبياً.. وأصبحت قطعة من أوروبا. ثم جاء توفيق باشا.. ووقف عرابى ضد الخديو والإنجليز.. فعزلوه! توحد الشعب المصرى ضد الخديو، ووقع البابا كيرلس الخامس على طلب بعودة عرابى وزيراً للحربية، وفعلاً عاد، كما وقع البابا على قرار.. أن توفيق خرج عن القانون، وتوحد الشعب مع عرابى، وحاربوا الإنجليز فى موقعة التل الكبير.. صحيح أنها كانت انكساراً عسكرياً، ولكنها كانت انتصاراً للوحدة الوطنية. احتل الإنجليز مصر.. فكان الكفاح الوطنى ضد الإنجليز، وقف البابا كيرلس الخامس والمسيحيون ضد الإنجليز.. حتى إن اللورد كرومر طرد الأقباط من مناصبهم واستبدلهم بالسوريين.. وقال: أقباط مصر أعداء لنا، ولابد أن نبادلهم عداء بعداء، كما رفض البابا كيرلس الخامس مقابلة لورد كتشنر، ويوحنا هوج، حين طلب الملك فؤاد من البابا أن يعطى البركة لوزارة الملك كما أعطاها لوزارة سعد باشا زغلول.. كان رد البابا: لا تُعطى البركة باليمين حتى تؤخذ بالشمال! ورفض إعطاء البركة لوزارة الملك فؤاد، كما رفض قيام حزب دينى بقيادة أخنوخ فانوس، حتى إن غاندى قال لسعد باشا: مصر أستاذة الهند ومثلها الأعلى فى الوحدة الوطنية. قامت الثورة عند نفى سعد.. فكانت عظمة مصر فى وحدتها، وقوتها فى توحدها.. ها هى صفية زغلول، وإستر فهمى ويصا، ها هى هدى شعراوى وسيزا نبراوى، ها هو سينوت حنا يتلقى طعنة مسمومة كانت موجهة للنحاس باشا، فمات سينوت وعاش النحاس، ها هو ويصا واصف، رئيس مجلس النواب ومحطم سلاسل البرلمان.. ضد الملك فؤاد، ها هو عريان يوسف سعد يحاول اغتيال رئيس الوزراء يوسف وهبة المسيحى حتى لا يقال إن مسلماً قد اغتاله! مصر يا أولادى فى عصرها الحديث مرت بحقبتين ذهبيتين.. الأولى عصور محمد على، سعيد، إسماعيل، الثانية هى النصف الأول من القرن العشرين، والسبب فى هذا وحدتها وتوحدها مسلمين ومسيحيين. قولوا للصهيونية العالمية ومخلبها الموساد قولوا للقاعدة وحماس وطالبان قولوا للأشرار داخل مصر من الغربان شكراً لكم جميعاً. لقد كشفتم عن معدن شعبنا بدموعنا أيها الغرباء الأغبياء.. اخرجوا من بلادنا. الحضارة تحت جلودنا.. نحن شعب واحد من قبل الأديان وإلى آخر الزمان، أين حسن الصباح، والماينهوف، والألوية الحمراء، والكوكلاكس كلان..؟! كلهم ذهبوا.. كما ستذهبون.. مشيعين باللعنات إلى عالم النسيان. [email protected]