ذكّر بيان الكنيسة الصادر بعد المذبحة بما حدث فى نفس الكنيسة منذ أربع سنوات وأسفر عن قتيل وعدة إصابات عندما اقتحمها شخص بالسلاح الأبيض، وهاجم المصلين بها، وأضاف البيان «وقد قرر مجلس الشعب وقتها تشكيل لجنة تقصى حقائق فى هذا الحادث لكن هذة اللجنة لم تزر الكنيسة حتى الآن». معنى هذا ببساطة أنه لا توجد إرادة سياسية حقيقية للحل أو المواجهة، وأن الحل لدى الإرادة السياسية قد اختزل فى الحل الأمنى فقط ليبدو النظام قويا وقادراً على المواجهة وهو نفس ما عكسه خطاب الرئيس بعد مذبحة الإسكندرية. تصورنا خطأ بعد ما جرى فى العام الماضى فى نجع حمادى من هول ما حدث أن أسلوب المواجهة سوف يختلف، وأن القائمين على الدولة سوف يدركون خطورة ما نحن بصدده.. تصورنا خطأ أن الحادث جلل، وأنه لا يمكن إلا أن يسبب لطمة تجعل من يستعصى على الإفاقة يفيق من الانغماس فى نفس أسلوب الإنكار والتهدئة لكن شيئا من هذا لم يحدث ومن يعد شريط الأحداث بعد نجع حمادى سوف يدرك أن ما كان فى مقدمة اهتمام الدولة والنظام هو التعتيم على حقيقة ما جرى، لأنه يمس النظام فى الصميم ولم يكن هناك سعى سوى لإخراس أى صوت يجأر بالحقيقة. مرت الشهور، التى شهدت توترات طائفية متصاعدة كانت تنبئ بحدث جلل لكن لم يكن هناك لا تصدى ولا إدراك لما هو آت بالضرورة بل وتم التغاضى عما حدث فى نجع حمادى وكأنه لم يحدث بل والأسوأ، وكأنه لن يحدث مرة ثانية وربما أعنف. أسرعت بالمؤشر من محطة إلى أخرى وعند المحطة الإخبارية المصرية كنت انتقل من محاولة تلقى المعلومة إلى حالة من محاولة إعادة صياغة المذبحة بحيث نلقى بالكرة بعيداً.أتانى صوت اللواء الدكتور نبيل لوقا بباوى يصرخ أن الضربة جاءت من الخارج وأن من ارتكب الفعلة الشنعاء ليس مصريا وأنها محاولة لضرب استقرارنا وخطاب إنشائى بالدرجة الأولى هدفه أنه لا شىء أتى من الداخل هذا قبل أى تحقيقات ولا أدلة ولا شهادات محاولة لصياغة ما حدث على المقاس الذى يصب فى مصلحة النظام السياسى وليس محاولة لإدراك حقيقة ما جرى للبدء فى مواجهته... بل إن البعض من المنتمين للدولة أو النظام السياسى قد وصلوا إلى حد الادعاء بأن الكنيسة لم تكن المستهدفة لأن التفجير حدث وفى مواجهة الكنيسة جامع.. إذن فالكل كان مستهدفا... إلى هذا الحد وصلت محاولة التعتيم على حقيقة ما جرى بل ومحاولة تزييفه... بعدها بساعات خرج علينا رئيس مجلس الشعب الدكتور فتحى سرور رافضا التحدث عن فتنة طائفية لأننا لا نعانى من فتنة طائفية ولا يمكن أن يرتكب مصرى فعلة كهذه. هل بعد هذا يمكننا أن نأمل فى ألا نجد أنفسنا لسنا فى عيد الميلاد القادم بل ربما أقرب من ذلك بكثير أمام مذبحة أقوى وأعنف من مذبحة هذا العام إذا ما كانت الدولة والنظام السياسى لم يحيدوا ولو خطوة واحدة عن نفس الأسلوب الذى اتبعوه على مدى ما يقرب من أربعين عاما وحصيلة مائة وواحد وعشرين حادثاً منذ حادثة الخانكة وصدور تقرير العطيفى الذى حوى كل الخطوط ورسم كل الخطوات المطلوبة للمواجهة لكنه وضع فى الأدراج وأغلقت دونه الأبواب واستن النظام السياسى أسلوبه المتلخص فى التعتيم والإنكار رغم أن مصر لا عادت هى التى نعرفها ولا المصريين ظلوا هم نفس المصريين.