يدّعى تنظيم مثل «الإخوان المسلمين» أنه أعظم تنظيم سياسى فى تاريخ مصر، وكذلك الحزب الوطنى المهيمن على الساحة السياسية المصرية لا يقل عن التنظيم المحظور تبجحا بشعبيته. رغم كل هذا الكلام الكبير فشل التنظيمان الكبيران فى شحن المصريين وتحريكهم للذهاب إلى صناديق الاقتراع. وفقا للتقارير الأخيرة، لم تتعد نسبة الذين انتخبوا ال10%، أى لم يذهب إلى الانتخابات سوى أربعة، أو خمسة ملايين فى أحسن تقدير، من أصل اثنين وثمانين مليون مصرى. فكيف فشل الحزبان اللذان يدعيان أنهما الأقوى فى مصر فى تحريك الناخب المصرى؟ هذا هو الجزء الثانى من هذا المقال. أما الجزء الأول منه، فهو يخص شرعية البرلمان القادم ومدى تأثيره على الانتخابات الرئاسية القادمة، وهل يرشح مبارك نفسه مستقلا بعيدا عن الحزب الوطنى فى الانتخابات الرئاسية القادمة، أم هل يحل المجلس الحالى ويلغى نتائج الانتخابات البرلمانية برمتها؟ بتقديرى، فى مصر اليوم إجماع حول شخص مبارك وليس هناك إجماع على الحزب. بعد مقاطعة أحزاب المعارضة، بما فيها الوفد وجماعة الإخوان المسلمين، للجولة الثانية من الانتخابات يكون الحزب الوطنى الحاكم «قد لبس فى الحيط».. سيكون لدى مصر برلمان فيه حزب واحد هو الحزب الوطنى. عجلة التحولات الديمقراطية فى مصر شبيهة بعجلة (دولاب) الحظ فى لعبة الروليت وقد رسم عليها خط تحول مصر الديمقراطى (تشارت) من نقطة الاتحاد الاشتراكى الشمولى، إلى نقطة تعددية الرئيس السادات المعروفة بالمنابر، إلى نقطة التعددية المغلقة فى عهد الرئيس مبارك، التى أدت إلى دخول مزيد من المعارضة للمجلس، لتكتمل دائرة العجلة بالنقطة الأخيرة التى تمثل الديمقراطية الحقيقية، والتى كنا نتطلع جميعا أن تكتمل مسيرة مصر بها. إلا أن مهندس العملية الانتخابية الذى جاء بحماس الشباب، وبكل الأدوات التى تبهر المراقب الغربى شكليا من استطلاعات رأى ومجمعات انتخابية، قد نسى بأن لدولاب التحول الديمقراطى سرعات، فزخَّ (أدار) الدولاب بسرعة المتحمس، فبدل أن يقف المؤشر عند النقطة الأخيرة، التى تمثل الديمقراطية الحقيقية، توقف الدولاب عند النقطة التى على يمينها تماما، أى نقطة البدء.. توقفت العجلة عند الاتحاد الاشتراكى! صاحبنا نسى أن الموضوع يحتاج إلى حرفية فى اللف والدوران الخاص بالدولاب، وهذا حقيقة ما كان يتميز به أمين التنظيم السابق كمال الشاذلى الذى توفى منذ أيام. فلقد كان الشاذلى «ابن بلد» ومتمرسا يشم السياسة شما، وكان ذا يد خبيرة فى تحريك دولاب مصر والتحكم بسرعته، فمرة تكون هناك تعددية يمثلها المستقلون ومرة الإخوان ومرة الوفد، وفى كل مرة يتوقف الدولاب عند نقطة مقبولة للمجتمع رغم التزوير. لكن هذه المرة الأمر غير مقبول، وخروج المعارضة من اللعبة ينفى عن البرلمان القادم أى صفة برلمانية، ويحوله إلى «قعدة» فى مقر الحزب أو لقاء للمجلس الشعبى المحلى لمحافظة فى أسيوط، ولا تسألنى «لماذا أسيوط؟». ما حدث يؤثر على صورة مصر أمام العالم بشكل لا يمكن لأكبر شركة علاقات عامة أن تشرحه أو تبرره على شاشات التليفزيونات العالمية. بتقديرى أن الرئيس مبارك، الذى يعرف مزاج الشعب المصرى، لن يقبل بهذا الوضع فقد يلغى الانتخابات أو يحل المجلس، ولن يقبل أن تتم انتخابات الرئاسة فى 2011 فى ظل مجلس فاقد للقبول الشعبى. فكيف لرجل ذى رصيد تاريخى فى مصر والعالم أن يقبل بأن ينتخب فى ظل مجلس أقرب إلى الاتحاد الاشتركى منه إلى البرلمان؟ فأمام الرئيس مبارك حلان: إما أن يحل البرلمان، أو أن يرشح نفسه للرئاسة مستقلاً بعيدا عن الحزب، وحتى لو شطح بنا الخيال وتصورنا أن الحزب قد يرشح شخصا آخر ضد الرئيس، فبالتأكيد سوف يكسب الرئيس لأن فى مصر اليوم إجماعا على شخص مبارك، واختلافا عميقا حول الحزب. لو غرقنا فى حرب الصور التى تسيدت المشهد قبل الانتخابات فلن نفهم الكثير، فالصحف المصرية صورت أن مصر منقسمة إلى فريقين سياسيين، كما فى الكرة هناك الأهلى والزمالك، هما الوطنى والإخوان.. لكن لو نظرنا بدقة إلى أعداد من ذهبوا إلى صناديق الاقتراع فى هذه الانتخابات البرلمانية أو فى سابقتيها لعامى 2000 و2005، لوجدنا أن الأرقام تقول غير ذلك تماما، ففى انتخابات مجلس الشعب عام 2000، قالت التقارير الحكومية الرسمية إن نسبة المشاركة فى العملية الانتخابية لمن يحق لهم التصويت كانت 20%، وارتفعت نسبة المشاركين فى انتخابات 2005 إلى 25% من إجمالى الناخبين، أما نسبة الناخبين لهذا العام فقد كانت 15%، رغم أن الجمعيات الحقوقية التى راقبت الانتخابات تقول إنها 10%، ولنكن كرماء ونقل 15%، هذه الأرقام إن دلت على شىء فإنما تدل على أن المصريين قرروا عدم المشاركة أو أداروا ظهورهم للعملية السياسية، هذه الأرقام فاضحة للمشهد كله. إذا كان من شاركوا هم عشرة فى المائة فقط، أى أربعة أو خمسة ملايين مصرى من حوالى ثمانين مليوناً، فالسؤال هنا هو: من يمثل الستة والسبعين مليو مصرى (الذين لم يشاركوا فى الانتخابات) فى البرلمان والحكومة؟ أين يذهبون وكيف يفكرون؟ هل أداروا ظهورهم للدولة وللعملية السياسية؟ وإلى أى عالم ينتمى هؤلاء؟ وما هى آراؤهم وتطلعاتهم وتوجهاتهم؟ هذه هى أسئلة مستقبل الاستقرار فى مصر.