حضرت مؤخرا لقاء فى الصالون الثقافى بدار الأوبرا، الذى يديره باقتدار الأستاذ أسامة هيكل. وكان ضيف اللقاء أ. د. حاتم الجبلى، وزير الصحة، الذى كان قد عاد لتوه من رحلة طويلة خارج الوطن لظروف قهرية، وبالطبع فقد كان سيادته يتابع عن بعد ما يثيره بعض أعضاء مجلسى الشعب والشورى من صخب وضجيج بعدما كشف الوزير عن مخالفات مخزية لأعضاء بمجلس الشعب فى استغلال استصدار قرارات علاج على نفقة الدولة للحصول على مكاسب شخصية.. مادية ومعنوية.. وبالتالى فإن هذا الموضوع كانت له الأولوية فى الحديث عنه بصالون الأوبرا فى الرد على سؤال منى أرسلته فى كلمات قليلة هى: «متى تنتهى هذه المهزلة المسماة بالعلاج على نفقة الدولة؟». استعرض الوزير تاريخ بداية هذه البدعة فى علاج المواطنين، التى بدأها وزير أسبق وتوسع فيها بطريقة عشوائية لما اعتقده حينئذ بأنه يحقق مكاسب سياسية ودعائية له وللنظام الحاكم، وكيف استمر الحال مع الوزير التالى حين ترك الحال على ما هو عليه واستمرت فاتورة هذا العلاج تتزايد وتلتهم المليارات سنوياً حتى ورث الوزير الحالى هذه التركة الثقيلة ضمن ما ورثه من ملفات صعبة ومثقلة بمشاكل هائلة. كان يمكن للوزير الحالى أن يستمر على نفس المنوال، ويؤثر السلامة والاستمتاع بلقب «معالى الوزير» وما يحوطه من مظاهر تعظيم وتبجيل فى الجيئة والذهاب، ودغدغة عواطف العامة بالكلام المعسول وأوراق قرارات لا يوجد لها غطاء مالى متوفر، ومن ثم الحصول على الرضا السامى من الجهات العليا.. ولكن الوزير آثر اقتحام هذه الملفات التى تمثل تحدياً للمسؤول، مثل موضوع وضع نظام تأمين صحى اجتماعى يغطى جميع المواطنين دون استثناء كلاً على حسب قدرته المالية، وموضوع خدمة الطوارئ والإسعاف، وموضوع كفاءة تدريب الأطباء، وموضوع إعادة هيكلة وزارة الصحة والمستشفيات التابعة لها، وبالطبع موضوع العلاج على نفقة الدولة. كان رأيى أن هذا الموضوع يستحق الأولوية، وأذكر أنه عند تولى الوزير منذ أربع سنوات قدمت لسيادته ورق بحث عن موضوع العلاج على نفقة الدولة، أعددته عام 2003 أى منذ سبع سنوات، ورجوته أن يقرأها بعناية، حيث إن هذا النظام العلاجى الشاذ الذى ليس له مثيل فى العالم يستغله فاسدون ومنحرفون لا أول لهم ولا آخر، وأن هناك عصابات تكونت لتحقيق ثروات طائلة من تجارة قرارات العلاج على نفقة الدولة، وأن مئات الملايين تصرف لا لزوم لها.. والحل يتلخص فى قرار واحد جرىء، هو إلغاء هذا النظام كلية والعودة إلى منظومة العلاج المجانى للفقراء ومحدودى الدخل بالمستشفيات العامة مع تعضيد ميزانياتها لهذا الغرض. كنت أتمنى أن يكون هذا القرار هو أول ما يقرره الوزير فى بداية عهده، ولكن للأسف فإن هذا لم يحدث، وأخيراً فى هذا الصالون الثقافى الذى حضرته مؤخراً عرفت منه السبب.. فقد قال سيادته إنه حُذِّر من كل مَنْ حوله بألا يتطرق إلى هذا الموضوع وبأن يدعه يستمر كما هو حتى يتجنب دخول يده فى عش الدبابير!! وقال له آخر إنك سوف تكون كمن رفعت غطاء «بالوعة مجارى»، وأنت أعلم بما يمكن أن يخرج منها!! ا نشغل الوزير بمسائل ومشاكل أخرى كثيرة، منها ما كان على أجندة الإصلاح الصحى الذى كان يفكر فيه، ومنها ما استجد بصورة طارئة ومفاجئة أربكت جميع الحسابات مثل مواضيع أنفلونزا الطيور ثم أنفلونزا الخنازير، التى لم يكن أمام الوزير خيار حيالها سوى إبداء أقصى درجات الاهتمام بكل ما تعلنه منظمة الصحة العالمية وتطلبه.. ولكن بعد أربع سنوات من تولى الوزارة أدرك سيادته أنه لابد مما ليس له بُد، فوضع يده فى عش الدبابير، ورفع غطاء البالوعة، لتنطلق روائح الفساد التى تزكم الأنوف وتخرج قاذورات التشهير والتجريح فى الوزير تملأ صفحات الصحف، وتنطق ألسنة الفاسدين المستفيدين المتاجرين بأمراض الفقراء والمساكين بأحط الألفاظ والأكاذيب والادعاءات.. ويتحدث نائب الحزب الوطنى الذى استصدر قرارات بملايين الجنيهات يومياً عن قرارات يصدرها الوزير بالتليفون لغير مستحقين ومليارات أنفقت على لقاحات أنفلونزا الخنازير، وتلميحات خبيثة عن مستشفى «دار الفؤاد» الذى يساهم فيه الوزير، ويتحدث نائب إخوانى عن مليارات الجنيهات التى تصرف سنوياً على الشيكولاته والتهانى والمرسيدس التى تقدم كرشاوى.. و.. و..!! عذراً سيادة الوزير.. لقد أحسست مما جاء بصحف الخميس 8/4 بأن قرص الدبابير بدأ يؤلمك، وأن الروائح القذرة الكريهة الصادرة من بالوعة العلاح على نفقة الدولة، بعد أن رفعت عنها غطاءها، قد بدأت تجبرك على أن تعيد الغطاء لمكانه أو تزيح رأسك عنها.. وبالتالى فإننى أخشى تراجعاً ولو جزئياً يشعر فيه الفاسدون والنصابون بأنهم قد حققوا انتصاراً يعيد لهم المكاسب الحرام وأوهام القوة أمام ناخبيهم. إننى أتمنى أن يناقش الأمر مع القيادة العليا للدولة على وجه السرعة، ويتم إلغاء النظام الحالى لعلاج الفقراء وغير القادرين، ويتم الإعلان بوضوح لجميع طبقات الشعب الفقيرة والمتوسطة أن العلاج متاح لهم مجاناً فى المستشفيات الجامعية وتلك التى تتبع وزارة الصحة، وأن يتم دعم هذه المستشفيات بدءاً من ميزانية العام القادم على أن تتولى وزارة المالية مهمة تسديد الديون المتبقية لجميع شركات الدواء والمستلزمات تدريجياً، ويصرف الدعم كله لعلاج المواطنين غير القادرين تحت رقابة حازمة من وزارة الصحة والجهاز المركزى للمحاسبات، وأن تعلن الوزارة استعدادها لتلقى أى شكاوى من المواطنين الفقراء حيال أى مستشفى يتقاعس عن تقديم العلاج المطلوب لهم مجاناً وبأقصى قدر من الجودة. إن هذا الأمر المهم يحتاج إلى مساندة ومؤازرة من جميع الأقلام الشريفة وأجهزة الإعلام التى تبغى مصلحة المواطن والمواطنين لا الإثارة والتهييج.. بمعنى آخر لنضع أيدينا جميعاً وليس الوزير وحده فى عش الدبابير، ولنتحمل قرصها حتى تموت بسُمّها.. ولنغلق نهائياً هذه البالوعة على كل ما فيها من تجاوزات وقاذورات، سامح الله من كان السبب فيها!!