لابد أنك سمعت لغطاً كثيراً، فى الآونة الأخيرة، حول «سمعة مصر» و«شتيمة مصر».. وكل هذه المصطلحات السياسية وردت فى سياق الكلام عن الرقابة الدولية على الانتخابات.. وكدت أشعر، من فظاعة التنسيق، بوجود ضربة استباقية مصرية.. تبدّت ملامحها فى لجنة فاروق أبوزيد، وتصريحات صفوت الشريف، ومقالات يوسف بطرس غالى، فى ال«واشنطن بوست».. سواء التى كتبها، أو التى ينوى كتابتها فى المستقبل! فلم يكن غريباً أن يتحول الوزير «غالى» من وزير مالية إلى وزير إعلام.. يقول إنه «زهق» من شتيمة مصر، فقرر التصدى بمفرده - بعيداً عن الدولة - لكل محاولات الإساءة إلى سمعة مصر.. ليس لكونه وزيراً فى الحكومة.. ولكن بصفته «القبطية» و«الدولية»، كما قال هو لبرنامج «حوار القاهرة» للإعلامى طارق الشامى.. وهى مسألة تجعلنا لا ننظر إليها فى سياق فردى، وإنما فى إطار «منظومة».. الكلمة التى اخترعها «الشريف» منذ سنوات! والفارق كبير أولاً بين النقد والشتيمة.. والفارق كبير جداً بين الكلام عن الرقابة الدولية على الانتخابات، والإساءة لسمعة مصر.. فلا شىء يسىء لسمعة مصر غير ما يفعله النظام المصرى بنفسه، سواء فى الانتخابات، أو غيرها.. وهنا وجه الغرابة، كيف حوّلها النظام المصرى من نقد إلى شتيمة؟.. وكيف حوّلها من طلب رقابة إلى كلام عن التطفل السياسى؟.. سبق ذلك إجراءات قمعية على مستوى الصحف والفضائيات! وليست مصادفة أن يخرج فى وقت واحد مقال لبطرس غالى فى ال«واشنطن بوست»، يتحدث عن سمعة مصر، جنباً إلى جنب تصريحات نارية تبثها وكالة أنباء الشرق الأوسط، على لسان صفوت الشريف، تتحدث عن التدخل السافر فى الشؤون الداخلية، ومخالفة القواعد والضوابط، التى حددتها اللجنة العليا للانتخابات.. وربما تكتمل الصورة حين تعرف أن لجنة فاروق أبوزيد، المعروفة ب«لجنة الرصد الإعلامى»، قد سبقت ذلك كله، ووجهت بلفت نظر برامج توك شو.. أظنها الآن فى إجازة.. عادية كانت أو جبرية! فهل الحل هو غلق المحل، صحيفة كانت أو فضائية.. حتى ترتاح مصر، وتنهض سمعتها، وتغسل ثيابها من انتقادات أمريكية كثيرة، يقولون إنها لا تفعلها من أجل عيون الحريات العامة وحقوق الإنسان، وإنما بهدف الضغط على مصر، وتشويه سمعتها.. مع أنه كان أولى بها أن تنظر إلى القشة التى فى عينيها هى، وأن تعرف ماذا جنت فى دول الغزو وبلاد الاحتلال؟.. ومن المؤكد أن ما تفعله أمريكا بغيرها خطأ بشع، ومن المؤكد أيضاً أن ما تفعله مصر بشعبها خطيئة كبرى! فلا عذر لأمريكا، ولا عذر لمصر فى الوقت نفسه فيما تفعله بيدها فى أبنائها وشعبها.. لكنها هذه المرة - للأسف - تصادر حقوقاً أساسية، وتستخدم فى ذلك لجنة الرصد الإعلامى، أو لجنة فاروق أبوزيد، بالتوازى مع مقالات لغالى، بصفته القبطية والدولية، ثم تستكمل المنظومة بتصريحات الشريف، حول التطفل السياسى، والتدخل السافر فى شؤون مصر.. وهى ضربة ثلاثية أخرست الصحف، والفضائيات، وفرضت على أصحابها أمرين: إمّا الصمت وإمّا غلق المحل! ومن الطريف أن «غالى» قد شعر بالزهق مما تقوله أقلام أمريكية عن مصر، ولكنه لم «يزهق» أبداً مما يفعله هو وغيره بالمصريين.. والأشد طرافة أن «غالى» الذى يخوض الانتخابات البرلمانية لم يزهق من عدم تكافؤ الفرص، ولم يزهق من عمليات التزوير، واستبعاد الأقباط، واعتقالات الآخرين.. لا لشىء إلا لأنه «قبطى» صاحب حظوة، ولا لشىء إلا لأنه قبطى قد استأثر بمراكز مرموقة.. فى الداخل والخارج.. وقرر فى النهاية أن يكون وزيراً للإعلام، بدلاً من المالية! لا هى شتيمة يا دكتور غالى، ولا هى إساءة لسمعة مصر، ولا يوجد مبرر للزهق الذى تشعر به معاليك.. ولا هى وقاحة ولا بجاحة حين يكتب الأمريكان عنا قليلاً مما نعانيه فى الداخل.. ولا هو تطفل سياسى ولا هو تدخل سافر يا صفوت بيه حين ينتقد الأمريكان أوضاعنا الداخلية.. كما أنه ختام سيئ يا دكتور فاروق أبوزيد لمشوارك العلمى، أن تعيد الرقابة البغيضة إلى ساحة الإعلام من جديد.. فقد انتهت الرقابة من زمان، ثم عادت تحت اسم «لجنة الرصد الإعلامى».. الخنجر الذى يضعه النظام فى ظهر الجميع وهو مستريح البال!