وسط الصراع الوحشى للصور على الفوز باهتمام العيون عبرت صورة غريبة كان ينبغى ألا تعبر فى هدوء، صورة نشرتها «المصرى اليوم» الثلاثاء الماضى من تصوير وتغطية سامح غيث لجولة وزير الزراعة الانتخابية فى دائرته بالشرقية. الصورة للوزير فوق ظهر حصان أبيض يمسك بلجامه شاب يرتدى الملابس الإفرنجية، وإلى اليسار منه يبرز وجه فلاح لا يمكن تحديد عمره، بسبب انكسار نظرته المذهولة، كما لو كان إحدى شخصيات فيلم «شىء من الخوف» عن رواية أباظى آخر هو الأديب ثروت. خلف الوجه الخائف بالصورة يظهر بوضوح أقل بروفايل جانبى لوجه يبدو مستريحًا فوق رابطة عنق لعله لواحد من مرافقى الوزير. فقط ثلاثة وجوه لبشر يمكن تمييزها فى الحشد مع رأس الحصان وفى مستواه، بينما الوزير فوق الحصان، وفوق الجميع فى زيه الإفرنجى، ليس بدلة رسمية ولكن بدلة كاجوال كحلى تحتها قميص لبنى، بحيث تحقق الأناقة وتنفى الرسمية وتحقق الانفصال عن الحشد فى الوقت نفسه. الصورة تقول الكثير، وأول ما تقوله يتعلق بالإلهام الإلهى، فكما أن التوفيق إلى الصواب إلهام إلهى فإن عدم التوفيق إلهام إلهى أيضًا، عندما يتحرى الشخص أن يضع نفسه فى المكان الخطأ. وكما كان فاروق حسنى ملهمًا بعدم التوفيق عندما تحدث عن «حرق أى كتاب إسرائيلى» فدخل بقدميه إلى برواز صورة هتلر أثناء ترشحه لليونسكو، كان الفارس أمين أباظة ملهمًا بالعودة إلى برواز الباشا الإقطاعى. والبرواز جاهز بعد أن تحول كل المزارعين الملاك منهم والأجراء إلى معدمين، بسبب السياسات الزراعية من يوسف والى إلى أمين أباظة. ولم يبق لأباظة المرشح الوزير إلا أن يدخل رمزيًا فى برواز الباشا فاختار الحصان لا السيارة، لتكتمل صورة الإقطاعى ويستدعى كل تراث الإهانة. ليس للسيارة تاريخ فى القهر مثلما للحصان، على الرغم من أن الباشوات كانوا يذهبون إلى عزبهم بالسيارات لا الخيول. راكب السيارة قريب من الأرض ولا يمكن أن يطارد فلاحًا بالكرباج من شباك سيارته كما لو كان على ظهر حصان، ولا يمكنه سحل مزارع بربطه فى صدّام السيارة لتأديبه، لأن ذلك سيحول الأمر إلى جريمة قتل وليس مجرد تأديب للمسحول وتخويف للمشاهدين، كما حدث فى سحل محمد أبوسويلم فى فيلم الأرض. عدم التوفيق الذى حالف الفارس الأباظى على ظهر حصانه لا يعنى أن الحصان انقرض، رغم أن وجوده تقلص منذ الثورة، كما تغيرت تقاليد الركوب بعد المساواة التى أقرتها الثورة، فلا يصح أن يكون هناك من يسحب الحصان أو يجرى وراءه إلا لمسن مريض، ولا يجوز اقتحام جمع من البشر من دون الترجل. وحتى عندما يكون الراكب على مسافة تكفى لإبعاد قدميه عن وجوه الواقفين والجالسين فى الشوارع يطلب إذنهم للمرور راكبًا «دستوركم يا رجالة». لم يذكر التقرير إن كان الوزير المرشح قد طلب «دستور» المحتشدين فى قرى الخرس وكفر شحاتة والمساعدة بدائرته التلين، ولا نعرف هل ترجل عندما تحدث أم خاطبهم من فوق ظهر الحصان؟.. ولم نر حصانًا آخر لوكيل الوزارة الذى رافقه، ولم يصدر عن الوزير أو رئيس الوزراء أو أمين الحزب بيان يوضح سبب وجود وكيل الوزارة فى جولة وزيره، على الرغم من التصريحات عن الفصل بين المنصب التنفيذى والصفة النيابية للوزراء المرشحين، أقول هذا وأنا غير متمسك بمطلب التوضيح، لأن الأساس أعوج من البداية، ولا يصح أن تستمر مهزلة الجمع بين الكرسيين فى الوزارة والمجلس التشريعى. الأهم أن التقرير لم يذكر ما قاله الفارس من فوق حصانه الأبيض، ولابد أن المراسل لم يجد ما ينقله من أقوال المرشح، بخلاف الرد على طلب أحد المواطنين إباحة زراعة الأرز، وطلب آخر سرعة إنجاز الصرف الصحى (مطلب كل القرى)، لأن المرشح لا يمكن أن يختلف عن الوزير، ولا يمكن أن يحتفظ أمين أباظة بكلام مهم عن الإنتاج الزراعى يقوله لناخبى دائرته، بينما يحجبه عن فلاحى الأمة المصرية بصفته وزيرًا. ومن يراجع تصريحات أمين أباظة فى الفترة الماضية سيقتنع أنه وزير التضامن أو التجارة لا الزراعة، فكلما سألوه عن أزمة اللحوم يطمئن المستهلكين بالتعاقد على كميات كافية من اللحوم السودانية والبرازيلية، ولا يضع فى اعتباره أن مسؤوليته تنحصر فى الحديث عن الإنتاج المصرى. وإذا أخذنا الشعر الحلمنتيشى الذى قاله المواطن حسن هداهد بوصفه خبرًا عن مزارع آل أباظة، تنبغى مساءلة الوزير كيف أن زراعة عائلتكم (فرى جود) بالعلم والميكنة، ولا يتاح ذلك لكل المزارعين فى مصر حتى لا نظل نستجدى القمح والإدام كالأيتام على موائد الجيران وغير الجيران؟! الحق أقول لكم، إن أمين أباظة كان عليه أن يترجل عن منصبه الوزارى، بسبب الحضيض الذى استقرت فيه الزراعة المصرية، لا أن يركب حصانًا ويطوف القرى مرشحًا للبرلمان.