شاهدت فى مهرجان الدوحة - ترايبكا السينمائى الدولى الثانى يوم الخميس الماضى الفيلم المصرى القطرى المشترك «حاوى»، أحدث أفلام فنان السينما إبراهيم البطوط فى عرضه العالمى الأول، وقد كنت أتوقع فيلماً جيداً من المخرج والكاتب والمصور والممثل والمنتج، الذى يعتبر الأب الروحى للسينما المصرية المستقلة، ومن النماذج المصرية والعربية القليلة لمؤلف السينما أو فنان السينما، خاصة بعد فيلمه الروائى الطويل الثانى «عين شمس» عام 2008، الذى حقق نجاحاً لافتاً كعمل فنى متميز فى مصر والعالم العربى والعالم، ولكن فيلمه الثالث لم يأت جيداً فحسب، وإنما حدث كبير فى السينما المصرية هذا العام، بل وفى كل تاريخها الحافل. «حاوى» أحسن أفلام مسابقة المهرجان المخصصة للأفلام العربية، التى شاهدتها كلها من صباح الأربعاء وحتى مساء الجمعة، وعددها عشرة أفلام، ولن يغير من قيمته أن يفوز أو لا يفوز بجائزة المهرجان التى تعلن مساء السبت، ففوزه فوز للمهرجان ولجنة التحكيم، وعدم فوزه خسارة لهما. والجوائز ليست المقياس الوحيد ولا حتى الأهم لتقييم الأفلام، وإنما هى تقييم لأعضاء لجنة التحكيم ولإدارة المهرجان التى اختارتها. ونحن نأمل بالطبع أن يفوز «حاوى» بما يستحق ليصبح مهرجان قطر عوناً «للإبداع السينمائى» العربى الحقيقى، كما يتمثل فى هذا الفيلم. تدور أحداث الفيلم فى الإسكندرية فى الزمن الحاضر، حيث يعبر عن رؤية صاحبه للحياة والعالم والوجود الإنسانى من خلال ثلاث شخصيات من الأجيال الثلاثة، التى توجد فى أى زمان جمع بينهم المعتقل السياسى ذات يوم. ولكن الفيلم ليس سياسياً بالمفهوم التقليدى، إذ لا يوضح أسباب اعتقالهم ولا توجهاتهم السياسية، وإنما يقدم عالماً كاملاً من شخصيات متعددة فى حياة الرجال الثلاثة على نحو يجمع بين واقعية تشيكوف الشعرية وواقعية ماركيز السحرية وعبثية كافكا التجريدية فى آن، وبأسلوب ما بعد حداثى، وسينمائى خالص من حيث استخدام الألوان والعلاقة بين شريط الصورة وشريط الصوت، الذى يكاد يكون أوبرا كاملة. إنها الإسكندرية كما لم نرها من قبل، والتى تختلف جذرياً عن إسكندرية شاهين فى رباعيته المعروفة: إسكندرية الشوارع الخلفية، التى يطل عليها البحر ولا تطل عليه. والفيلم تجربة غير مسبوقة فى الإنتاج، حيث لم يتكلف أكثر من أجر كومبارس فى مسلسل تليفزيونى، وكل ممثليه من غير المحترفين، وبذلك انتزع مبدعه حريته من السوق بالاستغناء المطلق، ويطول الحديث عن «حاوى»، الذى يمتع العين ويهز الوجدان ويشغل العقل. [email protected]