صالح مهران، مذيع حرب أكتوبر، رجل هادئ بسيط، يرفض الحديث عن نفسه دائما ويفضل أن يكون جنديا مجهولا، شارك «مهران»، فى إلقاء بيانات حرب أكتوبر 73، وتعرض للظلم كثيرًا، ومنذ أن ترك وظيفته، كمدير إدارة مركزية لتليفزيون الإسماعيلية، لم تكرمه الإذاعة حتى الآن رغم تاريخه الحافل بالنجاح والتميز. وفي هذا الحوار، ل«المصرى اليوم»، يروى صالح مهران لحظات النصر في 73 أثناء عمله فى الإذاعة المصرية، وكواليس ما جرى، وإلى نص الحوار . ■ في البداية كيف تتذكر أيام حرب أكتوبر أثناء عملك بالإذاعة؟ - أسمح لي أن أصور للقارئ الحالة النفسية والاجتماعية، التي كنا نعيشها كمذيعين قبل الحرب أولا، ولا شك أن 6 أكتوبر نقطة فارقة بين زمنين، زمن النكد وحالة القرف التى بدأت فى 5 يونيو بعد حالة الأمل، التي كنا نعيشها فى الخمسينيات والستينيات، خاصة أن الرئيس الراحل جمال عبدالناصر جعلنا نشعر بأننا أصحاب مشروع، وكنا أمة رائدة على المستويين العربي والعالمي، وكنا نفخر بأننا مصريون، وكانت الكلمات تتدفق لدينا كمذيعين، وعبدالناصر وضعنا فى بؤرة اهتمام العالم، ووضع العالم كله في بؤرة اهتمامنا، وصنع من مصر قوة رائدة فى العالم، وكان في ذلك الوقت ثلاثة رجال أقوياء هم عبدالناصر ونهرو وتيتو، وكانت هناك قوتان هما الاتحاد السوفيتي وأمريكا، وبعد حرب 56 وقبلها كان المصريون نجوم العالم، من خلال أغانينا وأدبائنا وشعرائنا وصحفيينا، وكنت تفخر بأن تكون مصريا، وفي صبيحة 5 يونيو 67 من شدة الألم وما تلاها قدمت استقالتى من الإذاعة، نتيجة الألم. ■ صف لنا طبيعة العمل يوم 6 أكتوبر بالإذاعة؟ - في صبيحة 6 أكتوبر يوم 10 رمضان، كان الناس كلهم نائمون على حزن، وفي الساعة العاشرة صباحا رن جرس تليفون منزلي، وقالوا لى إن هناك اجتماعا بالإذاعة، وحضرت الاجتماع، وقال لنا رئيس الإذاعة محمد محمود شعبان، الشهير ب« بابا شارو»، إنه في الثانية ظهرا سوف تقوم المعركة دون أن يمهد لنا وكانت مفاجأة، وكان لديه برنامج كامل بمجريات اليوم، وما سيحدث على الجبهة، وتحركات الرئيس السادات، ولكن لم تتحقق خريطة اليوم بنفس التفاصيل. ■ متى تم إلقاء أول بيان للحرب؟ - كانت هناك إشارة إلى أن نقول البيان الأول الساعة الثانية ظهرا، لكن جاءت تعليمات من قطاع الأخبار، بأن يتم تأجيل البيان إلى الثانية والثلث، وكان من الطبيعي، لأن الضربة الأولى في الحرب كانت فىي الثانية، ومن الطبيعي أن ننتظر قليلا، وفي الثانية والثلث ألقى أول بيان للحرب، وكان لكل مذيع منا فترة مفتوحة يقول فيها البيانات العسكرية والأخبار والنشرات، وأول بيان ألقاه عبدالوهاب محمود. ■ هل قرأت أي بيانات؟ - لا يوجد شخص يعرف من قام بأى عمل فى تلك الفترة، وكانت لدى فترة مفتوحة أقول فيها ما يأتي من الأخبار، وأحب أن أوضح أنه لم يتم تسجيل أي بيان من بيانات الحرب، لأن تلك الفترة كانت على الهواء، وبعد انتهاء الحرب بدأ منتجو السينما في عمل أفلام، فكانوا يأتون إلى أو إلى آخرين، ويقولون تعال قل لنا هذا البيان، لكن لا يوجد بيان مسجل في الإذاعة من بيانات حرب أكتوبر. ■ كيف ترى الاحتفالات بحرب أكتوبر؟ - استأت جدا من كل الاحتفالات التي قدمت من أجل حرب أكتوبر، رغم أننى شاركت في أحد الاحتفالات بالحرب عام 82، عموما احتفالات أكتوبر كانت عبارة عن ناس بتغني وترقص، وتجاهلت الذين شاركوا في الحرب، الأبطال الحقيقيين. ■ هل كان الرئيس الأسبق حسنى مبارك لديه غيرة ممن قدموا بطولات عظيمة فى حرب أكتوبر؟ - مبارك اختصر حرب أكتوبر فى الضربة الجوية، رغم أن هناك ضربات من الرصاص الحي والمدفعية رعبت العدو على طول 180 كيلو، والضربة الجوية هي مجرد تمهيد للعمق والضرب الحقيقى كان على الأرض، والحمد لله أخذنا حقنا، ونرى من رفضوا الجلوس مع السادات من ملوك الأردن وفلسطين وسوريا لم يأخذوا حقهم حتى الآن، نحن الآن فى سلام، وهم فى حالة حرب. ■ كيف ترى دور الفنانين في احتفالات المجهود الحربى.. وكيف تراه الآن؟ - أم كلثوم وعبد الوهاب كانا يغنيان للملك، وبعد ثورة 52 غنيا للثورة مثل الشباب المصرى، وفي 67 كانت هناك أغانٍ تنتج للتوقع بالنصر، وكان الفنانون يقدمون حفلات المجهود الحربى، ليس من أجل المال، ولكن من أجل تحفيز الناس. ■ كيف تقرأ المشهد الحالي؟ - مصر حاليا فى لحظة فارقة، وهناك بعض أشخاص شعروا بأن البلد تختطف تحت شعارات الجهل والأمية والبطالة وباسم الدين، ولا توجد جنة في الأرض فبدأ البعض يلمح لهم بها في الآخرة، وبعض الأشياء في الدنيا، مثل الزيت والسكر، وهذا جاء عندما تخلت الدولة عن وظيفتها. ■ كيف ترى ثورة 30 يونيو؟ - ممتازة وعندما شاهدت الفريق أول عبد الفتاح السيسي، القائد العام، يتحدث فى ثورة يونيو قلت هذا زعيم له كاريزما ستزداد مع الأيام. ■ البعض يشبهه ب«عبد الناصر» ما رأيك؟ - عبد الناصر ابن مرحلته و«السيسي» ابن مرحلته، جمال جاء نتيجة كل ما كان يعانيه الشعب المصرى قبل 52، واستطاع بزكائه أن يعمل برنامج الكل كان مؤمنا به، ولو أردت أن تجمع الشعب حولك يجب أن يكون هناك برنامج وهذا ما فشل فيه «الإخوان» خلال العام الذى حكموا فيه مصر، وكلما تحدثوا كنا نستاء منهم، إنما عبد الناصر عندما يتحدث الناس كانت تخرج لتأييده، و«السيسي» فيه هذه الصفات، وعبد الناصر كسر فى 67، وأتمنى ألا يكسر «السيسي» مثلما كسر عبد الناصر حتى لا يكسر المصريون معه، و«السيسي» لديه ذكاء قيادى ويسير بالبلد بشكل هادئ، عكس السادات الذى كان يأخذ قرارات دائما تخض، وأنا أدين للسادات بكل شىء، هو الرجل الذى استطاع أن يصنع اللحظة الفارقة في حياة المصريين، وعبد الناصر هو الذى أعد لحرب 73، ولكن السادات هو القائد.