ربما يصعب تصور أن ممثلة فرنسية شهيرة حاصلة على الأوسكار ويعرض لها حاليا فيلم «Nine» أن تقدم ما يبدو أنه إعلان تجارى أمريكى عن منتج يباع فى الأسواق ضد التحرش الجنسى. والمنتج هو نهدان صغيران تلصقهما ماريون كوتيار فوق عينيها وهى تقول «عينى هنا فى رأسى». ولأن ليس هناك منتج فى الأسواق بهذا الشكل، فالإعلان يتخذ هذا المنحى السريالى لرفع وعى المواطن الأمريكى ضد التحرش ولمواجهة الرجال بهذا الشكل الفج من انتهاك النساء، خاصة فى أماكن العمل. يرينا الإعلان كيف ينظر زميل العمل إلى ثدى ماريون كوتيار وهى تتحدث معه (رغم أنها ترتدى ملابس غير مثيرة). وبينما تركز الكاميرا على عينيها تخبرنا كوتيار أن المرأة الفرنسية قد عرفت دوما أن احترام الرجل لها يتجلى فى النظر إلى عينيها وليس إلى جسدها، ومن ثم تذكير كل الرجال بضرورة النظر «فوق» إلى عينى المرأة وليس «أسفل» إلى نهديها. ربما نتصور خطأ أن المجتمع الأمريكى، مجتمع الحريات وحقوق الإنسان، لا يعانى هذا الداء. لكن الإعلان يؤكد أن التحرش هو مشكلة كونية لا تخص مجتمعا دون آخر. كما يثير الإعلان تساؤلات حول اختلاف التشكيل الثقافى لكل من الرجال والنساء. هل المرأة هى موضع الشهوة لدى الرجال بينما الرجال لا يشكلون موضع شهوة لدى المرأة؟ لا شك أن الشهوة حاضرة لدى كل البشر، رجالاً ونساء (مثل كل الغرائز الأخرى)، وتعرف النساء جيدا (حتى لو لم يعترفن بذلك علنا) أن الرجل أيضا موضع شهوتهن. فالنساء أيضا ينظرن ويعجبن بالوسامة وبالصفات الجسدية المثيرة فى الرجال. ولكن التشكيل الثقافى الذى يقود إلى التحكم فى الشهوة كان أكثر قوة ونجاحا فى حالة النساء اللاتى يكبرن على تقويم الذات استجابة لفضيلة اجتماعية ولخصائص سلوكية بعينها. ولا يخاطب التشكيل الثقافى الرجل فى هذه النقطة، بل العكس تماما هو الصحيح. يكبر الرجل وهو فى حاجة إلى تدعيم ذاته بالثقة فى رجولته. ويتمحور مفهوم الرجولة فى الشارب وإظهار العضلات (فى وقت المراهقة وربما بعدها) وفى الزهو بالأهداف المتعددة فى مرمى العلاقات النسائية وفى قمع التعبير عن المشاعر التى توصم بالضعف (كالبكاء أو إظهار المشاعر الرقيقة). ولا يخاطب التشكيل الثقافى قمع الرجل لشهوته والتحكم فى التعبير عنها فيتجلى الأمر فى صعوبة التحكم فى النظر إلى جسد المرأة (ولنترك جانبا ما هو أكثر من النظر). هل يصعب على الرجل التحكم فى نفسه إلى هذه الدرجة وهو الذى تباهى على مدار القرون بتفوقه العقلى والعضلي؟ وماذا عن التفوق فى مجال التحكم فى الذات وإجبار تلك الذات على احترام الآخر بالنظر فى العينين بدلا من النظر إلى الجسد المشتهى! أليس قمع الشهوة من علامات التفوق أيضا، أم أن هذا السؤال لم يؤرق الرجال أبدا؟!. «عينى هنا فى رأسى» هى التعبير الأمثل عن صوت كل النساء، غربا وشرقا، فمثلما ننظر نحن إلى عيونكم ونحن نحدثكم، نطلب منكم المثل. نطلب احتراما. نرفض اختزالنا فى جسد لا تملكون التحكم فى النظر إلى أجزائه. نرفض أن ترونا «أجزاء» لأننا «كل» إنسانى.