لا شك أن هناك بعض المواطنين الذين لا يعجبهم العجب ولا الصيام فى رجب، وأنهم مهما فعلت لهم الحكومة يظلون يشكون ويتذمرون، ومن هؤلاء سكان المعادى الذين يطاردوننى منذ فترة كى أكتب عن نظافة (أقصد قذارة) هذا الحى الهادئ الذى كان فى السابق مضرب الأمثال فى نظافته وهدوئه وجمال شوارعه. وقد أخبرنى أحد الأصدقاء من سكان الحى بأن شارع 13 مثلاً بدأت القمامة التى تجمعت فيه تتحول إلى أوكار للفئران والعرس، وأخذنى بنفسه إلى أحد تلك الأكوام وضرب بعصا غليظة عليه فخرجت منه بلاوى لم أتبينها، فقد فررت أنا وهو حين زحف أمامنا ثعبان صغير أكد لى صديقى أن له عائلة كاملة من أم وأب وأخ وأخت وأقارب كثيرين يعيشون فى تلك الأكوام جنباً إلى جنب مع أجمل البيوت والفيلات القديمة التى عرف بها الحى. وأخبرنى صديق آخر بأن شارع 10 الكائن به البنك الأهلى فرع سرايات المعادى، قد أغلق تماماً بسبب الأشجار التى سقطت به (أو أسقطت) منذ فترة، وأنه بذلك أصبح شارعاً للمشاة فقط، مثل الكثير من شوارع المدن الأوروبية بعد أن تعذر دخول السيارات إليه. وقال الصديق إنه بعد أن عانى الأمرين للوصول إلى مقر البنك، شكا لموظفيه من هذا الوضع، فأكدوا له أنهم يئسوا من أن يقوم الحى بتنظيف الشارع، رغم تكرار شكواهم وشكوى عملاء البنك وسكان الشارع، والتزاماً بفلسفة حكومتنا العزيزة من أن العيب دائماً فى الشعب الذى لا يكل ولا يمل من الشكوى، فقد تأكدت بنفسى من أن سكان المعادى يتصورون أنفسهم من عجينة أخرى غير بقية المواطنين، حيث وجدت أن أكوام القمامة فى شوارع المعادى ليست أكثر، بأى حال من الأحوال، من مثيلاتها الموجودة فى جميع الأحياء الأخرى، فلماذا تلك الشكوى؟ ولماذا هذا التذمر الذى لا مبرر له؟ هل يتصور سكان المعادى أنهم يختلفون عن بقية المواطنين؟ لقد نظرت إلى رؤوسهم جميعاً، فلم أجد على أى منها ريشة واحدة. من أجل هذا قلت لأحد الشاكين: اذهب يا رجل إلى إدارة الحى وقدم لهم شكوى رسمية، فربما أنهم فى مكاتبهم المنعزلة لا يعلمون ما تتحدث عنه، فرفض قائلاً إنه ذهب ألف مرة وإنه فى المرة الأخيرة شرح له الموظف المختص أن إدارة الحى مظلومة وأنها لا ذنب لها فيما يحدث، وطلب منه الموظف أن يريح نفسه ويتعلم كيف يتعايش مع الحيوانات الأخرى، التى أصبحت تجاوره فى الشارع الذى يسكن فيه داخل هذه الأكوام. وكان الموظف صريحاً، حيث شرح له أن التعاقد الذى وقعه الحى مع إحدى شركات النظافة (فى عهد سابق طبعاً) لا يسمح للحى بمحاسبة الشركة، وأن لها أن تفعل (أو لا تفعل) ما تشاء، لكن الموظف أكد للشاكى أن الحى لن يجدد تعاقده ثانية مع هذه الشركة، وبشره بأن العقد سينتهى بعد تسعة أشهر، قائلاً: لقد فات الكثير وما بقى إلا القليل، قد تبدو تسعة أشهر فترة طويلة، لكنها ستمر سريعاً، إذا صبرتم قليلاً وتوقفتم عن الشكوى المستمرة، فسأله الرجل ثانية: هل قلت إن هذا الوضع سيستمر تسعة أشهر؟ قال له: نعم، لكنك سوف ترى أنها ستمر وكأنها تسعة أيام!!