تقدم أعضاء من الكونجرس بمشروع قانون يحمل عنوان «دعم الديمقراطية وحقوق الإنسان والحريات المدنية فى مصر»، يطالب الإدارة الأمريكية بالضغط على الحكومة المصرية لإلغاء حالة الطوارئ المفروضة على البلاد منذ عام 1981، وتقديم أدلة تضمن نزاهة وشفافية الانتخابات التشريعية والرئاسية المقبلة. كان من بين مقدمى هذا المشروع أعضاء بارزون فى الحزب الديمقراطى، كالسيناتور راسيل ما ينجولد، وفى الحزب الجمهورى، السيناتور جون ماكين، المرشح السابق للرئاسة، وهو عامل من شأنه أن يساعد على إقرار المشروع بأغلبية كبيرة. فما الذى يدفع الجمهوريين والديمقراطيين إلى التسابق هكذا لدفع الحكومة الأمريكية لممارسة ضغوط على الحكومة المصرية بدعوى الدفاع عن الديمقراطية وحقوق الإنسان؟! وهل يمكن لمثل هذه الضغوط أن تثمر وتجبر الحكومة المصرية على إلغاء حالة الطوارئ وتقديم الضمانات المطلوبة لنزاهة الانتخابات المقبلة؟!. أشك كثيرا، بل أعتقد أن الضرر المترتب عليها ربما يكون أكبر من نفعها. فهذه مناورات من شأنها أن تفيد الحكومة المصرية أكثر مما تفيد قوى المعارضة، كما سنشير فيما بعد. يعتقد البعض أن ضغوطا من هذا النوع، خصوصا عندما تتبنى مطالب يُجمع عليها الشعب المصرى بمختلف شرائحه، تفيد فى دعم قضية التغيير فى مصر. ولأن هناك تصوراً شائعاً بأن النظام المصرى «يخاف ولا يستحى»، أى يخاف من الحكومة الأمريكية ولا يستحى من شعبه، فمن الطبيعى أن يرحب البعض بضغوط من هذا النوع أو حتى يراهن عليها من أجل دفع عجلة التغيير فى دولة يقودها نظام بليد وعنيد. غير أننى لا أتفق مطلقا مع وجهة النظر هذه. إذ يكفى أن نفحص أسماء المتقدمين بهذا المشروع من أعضاء الكونجرس لنكتشف أنهم من غلاة المدافعين عن إسرائيل، بالحق وبالباطل، ولم يحركوا ساكنا لمطالبتها بتنفيذ فتوى محكمة العدل الدولية حول جدار الكراهية والعزل العنصرى أو لتنفيذ توصيات القاضى جولدستون حول جرائم الحرب، التى ارتكبتها أثناء عدوانها على قطاع غزة، وكانوا ومازالوا من أشد المناصرين للحرب على العراق وأفغانستان، والتى راح ضحيتها ملايين الأبرياء. هؤلاء إذن ليسوا نبلاء، لكنهم يتسترون بقضية نبيلة لتمرير أجندة سياسية خاصة بهم. على صعيد آخر، لا توجد دلائل تشير إلى أن النظام المصرى قابل للتجاوب مع ضغوط من هذا النوع، حتى لو تبنتها الإدارة الأمريكية رسميا وهو ما نشك فيه كثيرا. فنحن إزاء نظام يدرك أن حاجة الإدارة الأمريكية إليه، لتمرير أجندتها فى المنطقة، أكبر من حاجته هو إليها، وأن الخيارات المتاحة أمامها للعثور على بديل فى المنطقة يؤدى الوظائف نفسها ليست متوافرة. ولأن أسرار لعبة توزيع الأدوار بين الكونجرس والإدارة وإسرائيل لم تعد تخفى على النظام المصرى، فقد أصبح بوسعه توظيفها لصالحه عند الضرورة. لكن الأهم من ذلك أن المشروع المقترح يمنحه فرصة إضافية للادعاء بأن المعارضة تستقوى بالخارج وأن أجندتها أمريكية خالصة. لذا، على قوى التغيير فى مصر، على اختلاف ألوانها، أن تعلن فى وضوح تام أنها تعتبر مشروع القرار المقدم أمام الكونجرس تدخلا مرفوضا فى الشأن الداخلى. لو كانت الإدارة الأمريكية تريد حقا أن تسهم فى تقديم دعم لحقوق الإنسان فى مصر، فعليها أن تبدأ بنفسها وتنضم إلى المحكمة الجنائية الدولية وإلى جميع المعاهدات الدولية الخاصة بحقوق الإنسان، والتى لم تصدق على معظمها، وعليها أيضا أن تعمل من خلال المنظمات الدولية، وليس من خلال هيئة محلية، ووفقا لمعايير موحدة وليس باستخدام معايير مزدوجة.