ما الذى سوف يفعله عبدالناصر، لو أن الله تعالى أحياه بيننا اليوم، ليكتشف، بعد 40 عاماً من رحيله، أن الوسائل التى كان هو قد استحدثها، لتثبيت أركان دولته، قد جرى السطو عليها، لتؤدى الآن عكس ما كان هو أيضاً، يريده منها تماماً؟! كان الرجل، وهو يحكم من 1956 إلى وفاته 1970، قد ألغى الألقاب، من باشوات، وبكوات، وغيرها، وكان هدفه إبعاد أصحابها عن الصورة، فإذا بالألقاب تعود من جديد، فى 2010، وإذا بالباشوات الجدد حولنا، فى أكثر من موقع من مواقع السلطة، وإذا بكل واحد فيهم يخرج لسانه للقانون، إذا ما كانت هناك ضرورة لقانون، وإذا بعبود باشا، وفرغلى باشا، وطلعت حرب باشا، وغيرهم، موجودون فى هذه اللحظة، بألقابهم فقط طبعاً، وليس بأجسادهم أو أرواحهم، مع فارق مهم، أنهم قبل ثورة يوليو، كانوا يخضعون لأى مساءلة، إذا قضت الحاجة، ولكنهم اليوم، بعيدون عن أى مساءلة، من أى نوع! وكان عبدالناصر، قد زرع نسبة ال50٪ عمال وفلاحين، فى البرلمان، لأنه كان يريدهم، أن يكونوا موجودين فعلاً، لا شكلاً، فى مجلس الشعب، وكان يعرف أنه سوف يكون بالتالى، فى حاجة إلى أصواتهم تحت القبة، فى وقت من الأوقات، فإذا بهذه الوسيلة أيضاً، يجرى السطو عليها، وإذا بالبهوات يمثلون العمال والفلاحين فى المجلس، وإذا بالعمال والفلاحين الحقيقيين، بعيدون تماماً عن المجلس ذاته، وإذا بالنسبة على بعضها يجرى استغلالها، فى غير ما أراد من ورائها عبدالناصر، على الإطلاق! وكانت الصحافة، حين أممها إحدى وسائله، وكان الهدف من التأميم، أن تكون للدولة وسائلها الإعلامية المؤثرة والواصلة إلى الناس، فإذا بهذه الوسيلة هى الأخرى، تنقلب إلى عكس ما أراد هو، وإذا بتأثيرها العام يتراجع، وإذا بالثقة بينها مكتوبة أو مرئية، وبين الناس، تتبخر قليلاً قليلاً، وإذا بالمتحكمين فيها - فى أغلبهم - مجموعة من المنافقين، وإذا بالصحف تصدر، لتخسر، ثم تستمر، مع أن ألف باء أى مشروع، إذا خسر، أن يتوقف.. ولكن، بما أن الخسارة، أو عدمها، ليست هى الفكرة، فلا بأس من استمرار نزيف المال العام فيها، لا لشىء، إلا لأن أحداً لا يحاسب أو يسأل على إهدار مال دافعى الضرائب! قلت صباح أمس، إن «هارد وير» أى جهاز كمبيوتر، هو جسده الخارجى، وإن «سوفت وير» الجهاز نفسه، هو عقله، وقلت بالقياس إن «سوفت وير» المواطن المصرى فى عام 2010، لايزال هناك فى عام 1970، حين رحل عبدالناصر، وإن هذا «السوفت وير» يتمثل فى أفكاره وتصوراته، خصوصاً السياسية والاقتصادية، التى تغيرت وتطورت فى الصين، وفى الهند، بل وفى كوبا ذاتها، بما يتماشى مع العصر، ولكنها عندنا، لاتزال على حالها، منذ 40 سنة ب«حطة إيد عبدالناصر».. أما «هارد وير» عبدالناصر، المتمثل فى وسائله التى أشرت إليها، فهذا هو حاله!