المخاض

الأرض التى تدنست.. يلزمها الطهر والاغتسال.. الأرض التى لم تعد تنبت غير الشوك.. لا تنبت البرتقال.. هذه الأرض داسها من داسها.. فض عذريتها فى غفلة الابن.. وعجز الأب وغفوة الإخوة.. وكبوة الاتكال.. قعيدة همم الإخوة والأبناء والرجال.. يا ويلنا حين يقف الابن سائلاً لقمة الخبز.. وكوب الحليب المر وفضلة الأمان.. يهون عليه كل شىء.. ويستباح.. لحظة تلتقى عيناه مَنْ سرق الأرض.. وهتك العرض.. وروع الأوطان.
لكن هذه الأرض تمور فى داخلها.. وتبعث فى ضميرها وقلبها الحى.. نوعاً مغايراً من الأبناء والبشر.. لهم سمرة بشرتها ونضارة تاريخها.. يروونها دماً.. كرامة وعزاً.. يطهرونها من دنس الذل ووجهها المهان.. هؤلاء أنتم يا أبناء غزة.. نبتها الجديد دماؤكم طهر.. للأرض التى أنجبتكم.. والتى خبأتكم فى ضميرها سنين ليومها القادم الموعود.. أما الغثاء.. الخبث الذى ورث العار واقتاته.. خبزاً وكوباً من الحليب المر وفضلة الأمان.. جميعهم إلى النسيان.. قفى غزة واروى الأرض المقدسة.. بالدم الطاهر الثائر الجسور حتى ينتفض الوجود.. من العدم المهين.. وتطهر الأرض ويثمر الزيتون ويملأ العبير.. والنور والنوار أنحاء الحياة.. اصبرى غزة..
إنه الوعد من الله.. «سيهزم الجمع ويولون الدبر».. غزة الحبيبة.. لم يقل نبى الله موسى فى وصاياه.. اقتلوا.. دمروا.. خربوا الحياة.. بل قال.. عمروا الحياة. سرقوا كل شىء.. وشوهوا حتى رسالة السماء.. وألبسوها حلة اللصوص.. وأغرقوها بالدم الحرام.. لم يقل يوماً بأن الأرض لى..
لأنها مملوكة لله.. والناس تحت ظلها سواء.. الدم الذى أزهق فى غزة ظلماً.. صاعداً إلى السماء مواكب.. مواكب.. مواكب الشهداء.. محفوفة.. مزفوفة إلى العلياء.. لتلبس الأرض.. فلسطين.. ثوب عرسها.. فى زفافها للخلد.. للطهر.. للنماء.. للبقاء والخلود.. فى يوم غزة المجيد.
عادل أبو الفضل
الدمام - المملكة العربية السعودية