من يقرأ تصريحات وزير الخارجية وكبار المسؤولين وتعليقات الصحف الحكومية عن أحداث غزة يجدها تؤكد - بما لا يدع أى مجال للشك - أنها مؤامرة شاركت فيها إسرائيل وإيران وسوريا وقطر وحزب الله وحركة «حماس»، لاستدراج مصر لخوض حرب مع «إسرائيل»، كل بطريقته: «حماس» - بتحريض من سوريا وإيران - ترفض طلب مصر منها تمديد اتفاق التهدئة مع إسرائيل. ثم تطلق عدداً من الصواريخ عليها لتعطيها الفرصة للقيام بمذبحتها. بينما تشن قطر وحزب الله حملات دعاية وتحريض للمصريين.. وتعبئة الرأى العام العربى ضد النظام، واتهامه بالتواطؤ مع إسرائيل، لدفعه لخوض حرب متسرعة معها، وقرأنا عن أسرار تم التوصل إلى معرفتها عن هذه الخطط، حتى وصلت إلى اليقين فى الخطاب الذى ألقاه الرئيس مبارك يوم «الأربعاء» الماضى، فى الاحتفال بعيد الشرطة، فى العبارة التى قال فيها بالنص: «علينا أن نتذكر كيف اُستُدرِجت مصر لحرب وهزيمة 1967، وعلينا ألا ننسى أن المشهد العربى والفلسطينى الراهن هو بعض من تداعيات هذه الحرب وتلك الهزيمة». وفى الحقيقة قد تكون هذه معلومات مؤكدة توصلت إليها الأجهزة المصرية، أو تم تسريبها إلينا للإيقاع بيننا وبين «حماس» وسوريا وإيران، أو قد تكون هجوماً إعلامياً مضاداً منا لمواجهة الموقف المحرج الذى وجد النظام نفسه فيه داخلياً وعربياً، بسبب بشاعة المجازر التى ترتكبها إسرائيل، والأداء شديد السوء لسياستنا فى البداية. أو قد تكون محاولة لإلهاء الأمريكيين والإسرائيليين بالخطر الإيرانى، حتى لا يواصلوا التركيز على اتهامنا بتهريب الأسلحة إلى «حماس»، خاصة بعد الاتفاق الأمنى بينهما والموجه مباشرة ضدنا بالتحديد وليس لأحد غيرنا، وهو ما دفع الرئيس لأن يكرر أكثر من مرة، رفضه له مستخدماً تعبيرات تنم عن تحديه، مثل قوله: «لا يلزمنا فى شىء» - وسبق ذلك فقرة، هى أهم ما جاء فى الخطاب كله، قال: «إننا نواصل تعزيز قدرات جيشنا مؤمنين بأن السلام تحميه القوة ملتزمين بالسلام، حريصين عليه طالما بادلتنا إسرائيل حرصاً بحرص، والتزاماً بالتزام، ويبقى أبناء قواتنا المسلحة مستعدين لرد الصاع صاعين، إن وقع عدوان على أرضنا وسيادتنا والمصالح العليا للوطن». والرئيس هنا يربط بين إسرائيل واحتمال تعرضنا للعدوان، وخوضنا الحرب معها، ولم يشر لأى دولة غيرها، لأن الدول التى لها حدود معنا، هى ليبيا من الغرب والسودان من الجنوب، والسعودية من الشرق، أى لا خطر على أمننا الوطنى وعلى سيناء إلا من إسرائيل، لا إيران، أو سوريا أو قطر أو «حماس»، وبالتالى، فالحملات المتبادلة بيننا وبينهم ذات طابع سياسى، وترتبط بموقف ما، وسرعان ما تنتهى. أما الخطر الذى يحوم فوق رؤوسنا فهو إسرائيل، التى نستعد لها عسكرياً، وقد طمأننا الرئيس وله كل الشكر - على قدرة جيشنا على توجيه ضربة مضادة مؤلمة لها إذا هاجمتنا، وكان منذ عدة سنوات، قد أدلى بكلام مشابه، رداً على مطالبة أفيجدور ليبرمان، رئيس حزب إسرائيل بيتنا، بشن حملة جوية ضد السد العالى وتدميره لإغراق مصر. لكن المشكلة هنا ليست فى قوة الجيش وقدرته على التعامل مع الهجوم الإسرائيلى إذا حدث، وإنما هى فى قوة الدولة الشاملة الاقتصادية، والعلمية والسياسية، التى تُكسِب السلاح قوته الحقيقية، لأنه يستند إلى مجتمع قوى، وقاعدة صناعية وعلمية قوية، خاصة أن الدولة التى من المتوقع أن تهاجمنا لديها كل هذه المقومات وأكثر لاستنادها إلى دعم أمريكا. وهنا تكمن نقطة ضعفنا الرئيسية، ذلك أن النظام لم يهيئ البلاد علمياً واقتصادياً لمواجهة هذا الخطر، فبينما تحقق إسرائيل قفزات علمية متوالية انعكست على صناعاتها المتصلة بالمجهود العسكرى، والتى تتجلى فى نوعيات بعض الأسلحة والقذائف والأجهزة التى استخدمتها فى عدوانها على لبنان وفى غزة، أو تطويرها منظومة الصواريخ بأنواعها، ثم إطلاقها منذ مدة أقماراً صناعية، وأصبحت مصدراً للتكنولوجيا لتركيا والهند والصين. وبينما نحن نتحسب لهجومها علينا، فإنها لا تبدى أى خشية من جانبنا، وإنما خوفها من إيران التى تبعد عنها آلاف الكيلومترات، لأنها قامت ببناء قاعدة علمية حقيقية، مكنتها من الوصول بأسلحتها إلى إسرائيل.. صحيح أنها ليست فى مستوى تقدمها التكنولوجى، لكنها ستنطلق بسرعة من قاعدتها العلمية وتحقق قفزات سريعة لم تظهر فى برنامجها للاستخدام السلمى للطاقة الذرية فقط، وإنما فى تصنيع قمر صناعى وإطلاقه بصاروخ محلى، أى أن الدولة التى ستهاجمنا والأخرى التى نعتبرها تثير القلاقل أمامنا فى المنطقة تسبقاننا فى التقدم العلمى. أما نحن فقد أوقفنا مشروع بناء المحطة النووية لتوليد الطاقة بعد أن صرفنا على تجهيز موقع «الضبعة» أكثر من خمسمائة مليون جنيه بحجة الخوف بعد تسرب الإشعاع من محطة تشرنوبل فى الاتحاد السوفيتى، رغم أننا لم نكن ننوى الاتفاق معه على بناء المحطة.. فى الوقت الذى قامت فيه إيران ببناء مفاعلها فى بوشهر بالتعاون مع الاتحاد السوفيتى ووريثه روسيا، بل يستعد النظام لبيع موقع المشروع لرجال أعماله، ويبدأ فى البحث عن مواقع أخرى، وأضاع سنوات طوالاً على البلاد، وحتى سيناء التى ستكون أول من يتعرض لزحف المدرعات الإسرائيلية فى اتجاه قناة السويس إذا هاجمتنا تركها النظام خالية، ولم يكمل خطط زرعها بالبشر وبالقرى والمدن، وكل مشكلته هى كيفية توزيع نصف المليون فدان التى سيتم استصلاحها على رجال أعماله، وإلقاء بعض الفتات للشباب ولأهالى سيناء لإسكاتهم، بل أهدى إسرائيل يومياً مبلغ تسعة ملايين دولار، هى فرق سعر بيع الغاز لها، لتستخدمه فى مساعدة المساكين الإسرائيليين من محدودى الدخل، أو لزيادة مخصصات أبحاثها العلمية. بينما قرأنا فى «المصرى اليوم»، يوم الأربعاء 24 من ديسمبر الماضى، خبراً لا أعرف إن كان مأساة أو فضيحة - اختر له ما شئت من أوصاف - أوردته زميلتنا نادين قناوى، عن إعلان الدكتور هانى الناظر، رئيس المركز القومى للبحوث، عن تشكيل فريق بحثى فى مجال النانوتكنولوجى، برئاسة العالم المصرى - الأمريكى الدكتور مصطفى السيد للعمل على مشروعين، هما أبحاث السرطان والطاقة الشمسية بميزانية سنوية قيمتها مليون ونصف المليون جنيه، وتم توفيرها من منح المجتمع المدنى لا من ميزانية المركز.. أى ما يوازى ثلاثمائة ألف دولار سنوياً!! هل أعيد تذكيركم بالمبلغ الذى ندفعه يومياً للدولة التى نتوقع أن تهاجمنا فرق سعر بيع الغاز لها؟!