نفسى أعيش ليوم أشوف فيه حدثا مصريا كبيرا مثل معرض القاهرة الدولى للكتاب على قدر العالمية فعلا، ونفسى تكتمل متعتى بعد أن أقوم بجولاتى داخل هذا المعرض بشكل مريح ومنظم يجعلنى أعود إلى بيتى بدون حرقة دم. أتردد على معرض الكتاب منذ حوالى 35 سنة بصفة متكررة ودائمة منذ أن كانت قاعات العرض فى مكان دار الأوبرا الحالى بالجزيرة . ولم يختلف الأمر كثيرا من حيث الزحام، فقد كان عدد المصريين وقتها يتناسب مع حجم إقبالهم على المعرض، بينما ثبت مكان المعرض منذ سنوات وثبتت مساحته، فى الوقت الذى زاد فيه عددنا بنسبة كبيرة، وهو ما أدى إلى أن أصبح المعرض مثيرا لحرقة الدم . نفسى أرجع يوما من معرض الكتاب وأكون سعيدا بالنظام والنظافة والترتيبات، لكن للأسف هذا لم يحدث حتى الآن، وليس لى أى دخل بما سيقوله المسؤولون عن المعرض، وربما يتشدقون بعالمية المعرض وملايين الكتب المعروضة ومئات دور النشر العارضة ..إلخ، لكن أنا كمواطن بسيط يسعى إلى المعرفة، ليس له إلا راحته وتوافر الخدمة بشكل جيد، لذلك هناك من الملاحظات الكثير الذى يعتقد البعض فى تفاهتها بينما هى من صميم التحضر . قبل أن تصل إلى داخل أرض المعرض ستجد زحاما ولا يوم الحشر، لا مكان لقدم، لا مكان لسيارة، الحابل مختلط بالنابل ومن هنا تبدأ عملية حرقة الدم، فقد تبحث لفترة طويلة عن مكان لسيارتك ولا تجد، وربما لو ركنت فى مكان غير مناسب فتضار سيارتك أو تتلقى غرامة ومخالفة محترمة . بعد الحرقة الأولى، تقف فى طابور طويل بدون مبرر وعندما تزلف من الباب الحديد الضيق جدا - لا أعرف لماذا - ستجد أكواما من التذاكر المستعملة يلقيها حراس الأبواب على الأرض وكأن توفير برميل أو شئ ما لوضعها فيه أمر قبيح لا يصح أن نفعله . ندرة صناديق القمامة ليست مقصورة على البوابات فحسب، بل لو كنت شاطر أوجد صندوق قمامة فى كل هذه المساحة الشاسعة ولو وجدته أنصحك بأن تتصور جنبه للذكرى الخالدة . طبعا، كراسى مافيش، ويمكن أن تلف المعرض على كعب رجليك ثم ينهد حيلك فتجلس على أسوار قاعات العرض، وكأن التعذيب والمساهمة فى انتشار مرض دوالى الساقين ضريبة يجب أن يسددها المواطن المصرى. التليفونات العامة مافيش أو معطلة لو وجدت، السيارات داخل المعرض تجرى بسرعة كبيرة بما فيها سيارات الشرطة غير متحسبة للزحام الشديد، خرائط قاعات العرض وأسماء العارضين مافيش . عليك أن تبحث عن القاعات التى تريدها كما تبحث فى مغارة ليس لها آخر، وأكثر ما سيقابلك فى المعرض ليس وجوها مثقفة أو حتى تجار كتب معروفين، ولكن معظم الزوار من النساء والأطفال الذين اعتبروا زيارة المعرض فرصة ترويحية أثناء إجازة نصف السنة وجلبوا معهم الأكل والشرب وكرة القدم لزوم تسلية الوقت، وأيضا سوف يقابلك أصحاب اللحى والجلاليب وهؤلاء كانوا أغلبية زوار المعرض. أما أثناء خروجك ستجد أنه حتى الأبواب الضيقة ليس مسموحا الخروج منها، وإنما عليك أن تلف لفة محترمة وتخرج من باب آخر والسؤال الذى لا أجد له إجابة : لماذا باب آخر بينما الأبواب الكبيرة للمعرض مغلقة ؟ ولماذا هى مغلقة ؟ . أما إذا خرجت من باب صلاح سالم وأردت عبور النفق إلى الجانب الآخر ستجد أن النفق مظلم تماما وأن الشرطة تحاول المعالجة بوضع عسكرى على هذا الباب وآخر على الباب الآخر لتأمين العابرين، وسلم لى على الأموال التى أنفقت على النفق وسلم لى على معرض القاهرة الدولى لحرقة الدم .