سألنى أحد الصحفيين الأجانب عن أهم قضية سياسية تشغل الناس الآن، فقلت على الفور: إنها تلك القضية المهمة التى استحوذت على اهتمام صحافتنا بعد وقف إطلاق النار فى غزة، وهى المناظرة التى حدثت فى مؤتمر دافوس حول ما جرى فى غزة، والتى كان فرسانها الأمين العام لجامعة الدول العربية عمرو موسى، ورجب طيب أردوغان، رئيس وزراء تركيا، وبان كى مون، السكرتير العام للأمم المتحدة، والرئيس الإسرائيلى شيمون بيريز. قال الصحفى: لقد حضرت بنفسى هذه المناظرة فى دافوس وكانت ساخنة للغاية، فقد هاجم جميع المشاركين الرئيس الإسرائيلى بضراوة حتى بدا وكأنه فى جانب وبقية المشاركين جميعاً فى الجانب الآخر. قلت: ليس هذا هو ما يشغل بالنا، فما لنا نحن بما تم توجيهه من اتهامات للرئيس الإسرائيلى، إننا لا نهتم بهذه الأشياء، ما يعنينا هو سؤال واحد قد يبدو لك غير مهم على الإطلاق، لكن هو الذى يشغل بال صحافتنا الغراء فى الوقت الحالى، وهو: ألم يكن على عمرو موسى أن يخرج من الاجتماع وراء أردوغان؟ ولما كنا شعب يحب الكرة ولا يتحمس لشىء قدر تحمسه للعداوة القبلية بين الأهلى والزمالك، فقد وجدنا تلك فرصة لمناقشة قضايانا الكبرى بنفس منطق كرة القدم فقسمنا أنفسنا إلى مَنْ يقولون إن الأمين العام كان عليه أن يخرج وراء أردوغان، ومَنْ يقولون عكس ذلك. فرفع الصحفى الأجنبى حاجبيه فى دهشة قائلاً: أتتحدث بجد؟ هل تركتم كل ما قيل فى هذه المناظرة الخطيرة، وهى فى رأيى من أهم المواجهات التى حدثت لإسرائيل أمام الرأى العام العالمى حول أحداث غزة، ولم يشغلكم إلا هذا السؤال؟ قلت بكل ثقة: طبعاً، لأن تلك القضية أهم مائة مرة من مواجهة إسرائيل أمام الرأى العام العالمى، فأهم شىء هو مقاطعة إسرائيل، فقال الصحفى: وما دخل هذا بالمقاطعة؟ إنكم تتواجدون مع إسرائيل فى كل المحافل الدولية، وتجلسون وجهاً لوجه مع مسؤوليها فى الأممالمتحدة، ودافوس هو محفل دولى ولا يمثل اتصالاً ثنائياً بين العرب وإسرائيل، ثم إن ما قاله عمرو موسى فى وجه بيريز كان من أقوى ما قيل فى شرح وجهة النظر العربية، وفى اتهام إسرائيل، وقد وصل به الأمر أن وصف ما ارتكبته إسرائيل صراحة وأمام رئيس جمهوريتها بأنه جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية، شارحاً كيف أن إسرائيل لا تريد السلام. قلت: لا يهم، فلنترك الآخرين يشرحون وجهة النظر العربية ويتهمون إسرائيل فى المحافل الدولية، فنحن مشغولون بالحديث إلى بعضنا البعض، وفى بعض الأحيان مشغولون أكثر باتهام بعضنا البعض، ولا وقت لدينا للحديث إلى العالم فى مثل هذه المحافل الدولية، ولا بتوجيه الاتهامات لإسرائيل أمام الرأى العام العالمى. فنظر إلىَّ الصحفى غير مصدق ولم يرد، فقلت: هذه واحدة.. أما الثانية فهى أن الأمين العام كان عليه أن يخرج وراء رئيس وزراء تركيا ولا يبقى فى الجلسة. فضحك الصحفى وهو يقول: أأنت جاد فيما تقول؟ قلت: لقد سألتنى عما يشغلنا من قضايا سياسية وها أنا أجيبك بكل صراحة فلا تسخر منى، قال: لكن ما تقوله شىء مضحك حقاً، لأن أردوغان لم يخرج من الجلسة احتجاجاً على بيريز، بل احتجاجاً على رئيس الجلسة وهو الصحفى الأمريكى ديفيد إجناشيوس، لأنه أعطى بيريز 25 دقيقة - حسب قول أردوغان نفسه - ولم يعطه هو إلا 12 دقيقة، متعللاً بأن وقت المناظرة قد انتهى، فلماذا كنت تريد لعمرو موسى أن يخرج وراء أردوغان إذا كان عمرو موسى نفسه قد أخذ وقته بالكامل، وحين انتهى طلب المزيد وواصل حديثه يكيل الاتهامات لإسرائيل كما لم يفعل أى مسؤول عربى، ومع ذلك فقد نهض الأمين العام من مقعده وشد على يد أردوغان على ما تفضل به من رد على بيريز. قلت: مع ذلك كان يجب أن يخرج ويقاطع الجلسة، قال الصحفى: لكن الجلسة كانت قد انتهت، وهذا هو السبب الذى ساقه إجناشيوس لعدم إعطائه أردوغان مزيداً من الوقت، وقد خرج الجميع من الجلسة ومعهم عمرو موسى بعد أردوغان بثوانٍ معدودات. قلت: كان عليه أن يخرج فى نفس الثانية مع أردوغان، قال: ماذا كان سيضيف ذلك لقضيتكم؟ قلت: لا أعرف، لكنه كان يجب أن يخرج، قال: لقد خرجنا جميعاً بعد ثوانٍ، قلت: كل ما وجهه عمرو موسى من اتهامات قاسية لإسرائيل كوم وتلك الثوانى كوم، قال: أهذه حقاً هى قضيتكم الآن؟ قلت: هذه هى قضيتنا الآن، قال: إذن معك حق، من الأفضل ألا تتحدثوا إلا لبعضكم البعض، وتتركوا الآخرين يدافعون عن القضية العربية فى مواجهة إسرائيل.