لا أحد على وجه الأرض يختلف حول هذه الحقيقة: الاقتصاد وحده هو الذى يوحّد العالم.. المال مثل كرة الثلج، وليس بمقدور أى دولة أن تنأى بنفسها عن تداعيات وآثار الأزمة المالية العالمية، إلا إذا كانت فى كوكب تانى.. المواطن المصرى البسيط يدرك ذلك بفطرة بشرية وتجارب سابقة.. لذا كان طبيعياً ألا يصدق تصريحات المسؤولين الوردية فى بداية الأزمة.. وكان طبيعياً أيضاً أن تغير الحكومة الموجة سريعاً، وتعترف بأن الاقتصاد المصرى سيواجه مخاطر غير عادية خلال الفترة المقبلة. الحكومة بوزرائها لم تقل طبعاً للمواطن كيف ستؤثر عليه هذه الأزمة.. تركته - كالعادة - يواجه مصيره فى «الشغل والبيت والشارع» دون أن تقول له مثل باقى الحكومات «نحن فى ورطة».. والورطة تعنى - لمن لا يفهم - أن عشرات، وربما مئات الآلاف من المواطنين، سيفقدون عملهم، وتقذف بهم سوق العمل إلى الشارع والمقاهى والمصحات النفسية، وربما السجون.. والأزمة تعنى أيضاً أن الاستثمارات، سواء المحلية أو الأجنبية، سوف تتراجع، ولن يجد ابنى وابنك فرصة عمل، لينضم إلى طابور من «العاطلين» بطول مصر وعرضها.. والأزمة تعنى كذلك انكماش الأسواق، وركود السلع، وتوقف المشروعات العقارية، وانخفاض إنفاق الحكومة على الخدمات والمرافق، التى تعانى - أساساً - من التدهور.. وبمعنى أكثر تبسيطاً، فإن الحكومة التى كنا نطالبها بتطوير التعليم، وتحسين الخدمات الصحية، وإصلاح المرافق والشوارع، ربما لا تتمكن من الحفاظ على «الوضع المتردى» حالياً، وستقول لنا بشىء من الحدة، وربما العنف «منين؟.. العالم كله يعانى.. والعين بصيرة والإيد قصيرة». حسناً.. مادامت الأزمة عالمية، وطالت الجميع.. فلماذا لا نفعل مثل العالم.. ولّا إحنا دايماً نستشهد بالعالم فى المصائب، وننساه فى الحلول؟!.. الواقع يقول إن كل التداعيات سوف تطال برنامج الرئيس مبارك الانتخابى، الذى طرحه علينا، لنختاره رئيساً فى نهاية عام 2005.. إذن فمصداقية وشرعية الرئيس على المحك، ما لم تنفذ الحكومة برنامجه كاملاً، والبرنامج تضمن وعوداً كثيرة فى: فرص العمل، الاستثمارات، الخدمات، المرافق، والصناعة.. وربما يكون الرئيس مشغولاً بأزمة غزة، ولم ينتبه لتصريحات السادة الوزراء والمسؤولين حول عدم قدرة الحكومة على الوفاء ببرنامجه بسبب الأزمة العالمية. قطعاً.. لا أطالب الحكومة بأكثر مما تحتمل، وتملك.. ولكن العالم كله فى الأزمات يتكاتف، ويبحث عن كل العقول للإسهام فى الخروج من الأزمة إلا نحن.. نظامنا الحاكم لا يرى إلا نفسه، ولا يلتف حوله سوى ذات الوجوه.. لم يفكر أحد فى الاستعانة بخبراء مصريين اعترف بهم العالم، واستعان بأفكارهم فى منظمات وهيئات دولية كبرى.. لم يستشر أحد الدكتور حازم الببلاوى، عميد الاقتصاديين المصريين، ولا الدكتور فخرى الفقى، صاحب الخبرة الطويلة فى صندوق النقد الدولى، ولا الدكتور إبراهيم العيسوى، الخبير الاقتصادى الكبير، ولا الدكتور أحمد جلال، صاحب الخبرة الكبيرة فى البنك الدولى، ولا الدكتور سمير رضوان، الذى يمتلك تجربة رائعة فى منظمة العمل الدولية، ولا الدكتورة هبة حندوسة، المتبحرة فى الدراسات الاقتصادية! هؤلاء، وغيرهم كثيرون، يمكنهم الإسهام فى تخفيف عبء الأزمة الاقتصادية عن كاهل المواطنين.. هكذا تفعل كل الدول.. تدق جرس الخطر، وتطلق نفير الاستدعاء لكل عقل وطنى قادر على التفكير.. أما نحن فلا شىء سوى نفس العقول والوجوه.. وكأن للسلطة باباً حديدياً لا يمر منه سوى حامل ختم «الرضا والغفران».. أما من قال «لا» فى يوم من الأيام، وأما من اختلف مع «آلهة السلطة» فيظل مطروداً من «الجنة»! سيدى الرئيس.. دافع عن برنامجك الانتخابى.. وأطلق نفير التطوع لمن قال لك «لا» قبل من سار فى موكبك.. فكلنا مصريون.. والوطنية لا تحتاج دائماً إلى «ختم الرضا»! [email protected]