عجيب أمر بعض الكتاب وأصحاب الرأى الذين يدّعون أنهم ينتمون إلى مذهب سياسى معين، ويرون فيه الخلاص من كل الأزمات التى تشكو منها البلاد، ثم تأتى أقوالهم وكتاباتهم وآراؤهم على النقيض مما يدعون إليه، وهذا يدل على أحد أمرين.. الأول أنهم لا يعرفون ما يدَّعون أنهم ينتمون إليه، والثانى أنهم يتخذون من هذا المذهب المدَّعى ستاراً لإخفاء حقيقة ما فى نفوسهم، من ذلك ما جاء فى مقال أسبوعى لأحد هؤلاء الكتاب فى «المصرى اليوم» بتاريخ الثلاثاء 6 يناير تحت عنوان (درس غزة.. وفرصة مصر)، والحقيقة أننى لم أجد فكرة واحدة فى هذا المقال تتسق مع ما يعلنه كاتبه وهو أنه ليبرالى علمانى ديمقراطى!! فقد جاء فى أول المقال ما معناه أن على النظام المصرى أن يتعلم من درس غزة ومحنتها، وأن احتواء الحركات (المتأسلمة) أو حتى مجرد التعايش معها هو المستحيل بعينه لأنها حركات ومنظمات - على حد قوله - تتنفس القمع وتؤمن بالإرهاب، ولا تكترث بأرواح أبنائها.. فالمهم عندها أن تبقى جاثمة على مقاعد السلطة بأى ثمن، ولا أدرى متى جثمت هذه الحركات على السلطة فى مصر!!.. ثم يواصل: «لهذا أتصور أن ينتهز صائغ القرار الفرصة لإعادة المنظمات المتأسلمة لمكانها الصحيح خارج الحلبة العامة». وليس هناك تفسير لعبارة مكانها الصحيح إلا غياهب السجون والمعتقلات، التى يقترح أن تضم كل من ينتمى لهذا الفكر من أبناء وطنه، دون تحقيق أو محاكمة لتطهير الحياة السياسية من هذا التيار الذى يقض مضجعه، ويتسبب فى كل الكوارث التى حاقت وسوف تحيق بالبلاد، طالما هم على الساحة. هكذا وبكل بساطة وأريحية يحرض هذا الكاتب حكومة بلده أن تعتقل وتزج بالمئات من أبنائها إلى السجون والمعتقلات، لأن أفكارهم ومعتقداتهم لا تعجبه!! ثم يقول فى موضع آخر: «إن أبجديات اللعبة الديمقراطية تقتضى أن ننحى المعتقدات الدينية جانباً، وفى مجتمع يلعب فيه الدين دوراً محوريا فهذا يعنى أن خللاً هائلاً سينسف العملية الديمقراطية برمتها». وهذا معنى جديد ومبتكر للديمقراطية، فبعد أن كنا نظن أن أبجدياتها هى الحرية والعدل والمساواة، وسيادة القانون والاحتكام للشعب مصدر السلطات، والتداول السلمى للسلطة، فها هو معنى جديد. وأنا أحيل الكاتب إلى الوضع فى إسرائيل التى لا يختلف اثنان على أنها دولة ديمقراطية - على الأقل بالنسبة لمواطنيها وسياستها الداخلية - أليست بها أحزاب دينية يمينية متطرفة تمارس حقها ووجودها بكل حرية مثل حزب «شاس»، ولم يخرج عليهم كاتب علمانى ليبرالى ليطالب الحكومة بعزل هذه الأحزاب، فهم أعقل من ذلك، بل تجيد الحكومة استخدام هذه الأحزاب استخداماً سياسياً مفيداً. ولنفترض جدلاً أن النظام المصرى الحاكم قد استجاب لهذه النصيحة وقام بعزل أصحاب التيار الدينى داخل المعتقلات واستراح وأراح سيادة الكاتب المحترم منهم، ألا يحتمل أن يقع سيادته وتياره الليبرالى العلمانى الديمقراطى بعد ذلك فى خلاف مع اتجاه آخر، مثل القوميين أو الناصريين أو اليساريين فماذا سيكون الحل؟ طبعاً نفس الوسيلة الناجعة فيزج بكل فريق منهم ويُحشر مع (إخوانه الحلوين) فى غياهب السجون، حتى تخلو البلاد من جميع الاتجاهات ولا يبقى فيها إلا صاحبنا ليحكم البلاد حكماً ديمقراطياً يقوم على التعدد وقبول الآخر!! وأخيراً فأنا أطمئن أن نصيحته تلك لن ترى النور لا لأن النظام لن يقتنع بها، ولكن لأنه أضعف من أن يستجيب لها!! عاطف المغربى