قضيت زمناً طويلاً منذ مطلع الثمانينات أسعى بدأب وصبر وحب لاقتناء روائع الفن السينمائى من كل مكان فى العالم. وأسعدنى الحظ أن عملى كفل لى إمكانية السفر والطواف حول العالم، فكنت أينما حللت أنزل إلى وسط المدينة باحثاً عن محال بيع الأفلام. وعلى الرغم من الكلفة المادية فإن السعادة بالحصول على مجموعة أفلام هتشكوك كاملة أو مجموعة ستانلى كوبريك مثلاً كانت لا تدانيها سعادة. وكنت أترقب الأوكازيونات التى تستطيع فيها الحصول على مجموعة كارى جرانت أو مجموعة همفرى بوجارت أو جيمس ستيوارت أو أودرى هيبورن كاملة ب 50 دولاراً. ولم يتوقف الأمر على الأفلام الأمريكية، لكن كنت فى فرنسا ألتقط أفلام كلود ليلوش التى تمنيت رؤيتها فى صباى وذبحتها الرقابة فى القاهرة مثل «رجل وامرأة» و«الحياة للحياة» وكذلك أفلام جودار وأعمال رومان بولانسكى فى البدايات وروائع كيرزستوف كيسلوفسكى خاصة ثلاثية الألوان، وفى إيطاليا كانت المتعة صافية مع ما أنتجته السينما الإيطالية لفيللينى مثل «لادولتشى فيتا» ومثل «ثمانية ونصف» ومثل روما، وكذلك زيفاريللى صانع أفلام روميو وجولييت وترويض النمرة وعطيل وديسيكا وبرتولوتشى وغيرها. وفى لندن دفعت مبالغ كبيرة لأحصل على أفلام شيرلوك هولمز التى أنتج الواحد منها عشرات المرات من أول أفلام الأبيض والأسود الصامتة التى قام ببطولتها وليم جيليت مروراً بمجموعة الأفلام التى قام فيها بدور التحرى الشهير الممثل بازل راثبون فى الأربعينيات حتى الحلقات المسلسلة التى أنتجها التليفزيون البريطانى فى التسعينيات من بطولة جيريمى بريت. كذلك دفعت مالاً كثيراً لأضم إلى مكتبتى الأفلام والحلقات التى تمثل روايات أجاثا كريستى وبطلها الشهير بوارو أو بطلتها المفضلة ميس ماربل. وكنت أتجشم جهداً كبيراً فى محاولة معرفة الأفلام الكاملة للفنانين الذين أحبهم والتى لا تعرض أعمالهم بالقاهرة مثل إنجمار برجمان السويدى ومثل وودى الين الأمريكى. ولا أنسى الصدمة وخيبة الأمل التى كانت تنتاب أسرتى عند عودتى من السفر وبصحبتى الحقائب المتخمة بالشرائط مع أقل القليل من الهدايا التى طلبوها. فى ذلك الوقت كنت أمتلك جهاز فيديو بنظام بيتا ماكس ذى الشرائط صغيرة الحجم. مع مرور الوقت بدأ المعروض من الأفلام على هذا النوع من الشرائط يقل وبدأ شعورى بالخطر يتعاظم مع طغيان الأفلام على شرائط VHS ولم يكن الخطر يتمثل فقط فى اضطرارى لشراء جهاز فيديو جديد، ولكن فى عدم قدرتى على إصلاح الجهاز القديم الذى اختفت مع الوقت قطع غياره ولم أعد أجد من يقبل إصلاحه، الأمر الذى ترتب عليه إهدار مئات الشرائط التى أنفقت ثروة فى شرائها وأصبحت قابعة بالمكتبة تنعى من صنعها. كان عليّ أن أبدأ الرحلة من جديد فكنت أطوف بمحال الأفلام فى نيويوركولندنوروما وباريس ومعى قائمة بما سبق أن اشتريته وأشتريه للمرة الثانية علاوة على ما استجد، حتى نجحت فى تجاوز أزمتى بعد عدة سنوات وعادت المجموعة تملأ بيتى أنساً وسروراً. لكن التطور التقنى الذى لا يقف عند حد كان لى بالمرصاد للمرة الثانية، عندما ذهبت إلى مونتريال عام 2000 كان يجاور منزلى واحد من أضخم معارض الأفلام فى العالم وكانت أرففه مملوءة بما لذ وطاب من شرائط VHS، وساعد تحسن الظروف المادية على أن أقتنى بدون حساب كل ما أرغبه وأتمناه من روائع الفن السابع، فكنت أحمل معى كل يوم مجموعة جديدة، وكانوا يقدمون خدمة عظيمة تمثلت فى إمكانية أن أعطيهم اسم الفيلم إذا لم يكن موجوداً لديهم ويتولون هم عملية إحضاره وإرساله على عنوانى مقابل رسم بسيط، ومع مرور الأيام بدأ يظهر فى المحل على استحياء أنواع جديدة من الاسطوانات الصغيرة المدمجة التى ظهرت إلى جانب الشرائط واحتاجت إلى جهاز يسمى DVD وكانت مرتفعة الثمن فى البداية فلم يقبل عليها الناس، لكن بمرور الوقت أخذ ثمنها فى الانخفاض وأصبح الجهاز الذى يعرضها أرخص من أى جهاز فيديو، وأخذت مساحات الشرائط تتقلص داخل المحل لتفسح للوافد الجديد، وكنت شاهد عيان على هذا الانحسار يوماً بيوم. وكان يوماً غير سعيد بالمرة يوم أن عدت للبيت فوجدت جهاز الفيديو لا يعمل، واضطررت إلى النزول لشراء جهاز جديد فصدمنى خبر أنهم لم يعودوا ينتجون هذه الأجهزة وأن أجهزة الفيديو قد صارت من الأنتيكات التى نريها لأولادنا ليشهدوا على الحياة البدائية التى كنا نحياها!. للمرة الثالثة أبدأ من جديد ويدفعنى الولع بالسينما إلى شراء الأفلام فى صورتها الجديدة على اسطوانات مدمجة وللمرة الثالثة أدفع فلوساً لشراء نفس الأفلام الموجود منها نسختان عندى، ثم أعود إلى مصر بعد ذلك ومعى ثروة فنية من أرقى الأفلام، وعندما أعرضها فى زهو على ابنى لا يتردد فى السخرية من ثروتى التى يستطيع هو فى أقل من شهر أن يقوم بتنزيلها وتحميلها من على النت من شتى المواقع ببلاش!! فيا لضيعة حياتى.