لا يبدو حتى الآن، أن هناك نهاية وشيكة للحرب التى تجرى فى غزة، فى ضوء إصرار الطرفين على رفض أى اقتراح بإعلان الهدنة حتى لو كانت مؤقتة، لا تزيد عن 48 ساعة ولأسباب إنسانية، كما فعلت إسرائيل حين رفضت الاقتراح الفرنسى بهذا الصدد، وكما فعلت حكومة غزّة، التى نفت التصريحات النى نسبت لبعض قادتها باستعدادها لقبول مشروط لوقف إطلاق النار، وفى ضوء تصريح المتحدث باسم البيت الأبيض، بأن على حماس إذا أرادت أن تطلب وقفًا غير مشروط لإطلاق النار، وتأجيل مجلس الأمن للبحث فى مشروع القرار الذى تقدمت به الدول العربية - فى أعقاب اجتماع المجلس الوزارى للجامعة العربية يوم الأربعاء الماضى - بعد اعتراض كل من أمريكا وبريطانيا عليه، لأنه لا يلزم إسرائيل وحدها بوقف العدوان، ولا يلزم حكومة غزّة بالوقف «الدائم» لإطلاق الصواريخ. وهكذا وبعد ستة أيام من الحرب، تحددت أهداف الطرفين بشكل أكثر وضوحًا، مما كانت عليه فى أيامها الأولى، فإسرائيل تريد تأمين حدودها الجنوبية بشكل «دائم» ضد الصواريخ، وحكومة غزّة، تريد إنهاء الحصار وفتح كل المعابر بشكل «دائم» كذلك.. وهو ما يجعل التوصل إلى حل وسط، ودون تسليم كل من الطرفين بمطالب الآخر، رهينًا باستمرار القتال وليس بوقفه، إلى أن يستطيع أحد الطرفين أن يفرض بقوته العسكرية إرادته على الطرف الآخر، وهو ما يعنى أننا أمام حرب قد تطول لأسابيع قادمة، وقد تدور حول جولات متعددة. وحتى الآن لا تزال العوامل التى بنت عليها حكومة غزّة، موقفها من الأزمة، تثير حيرة المراقبين، بين الذين يؤكدون أنها أخطأت الحساب، حين رفضت أولاً المشاركة فى الحوار الفلسطينى - الفلسطينى، عندما أجهضت الجهد المصرى لاستعادة الوحدة الوطنية، على أساس حدّ أدنى مشترك يتواءم مع ظروف المرحلة، ويقوم على تناغم وتنسيق بين أسلوب «المفاوضة» وأسلوب «المقاومة» دون أن يجعل أحدهما بديلاً للآخر، وحين رفضت - ثانيًا - تجديد التهدئة، وواصلت عمليًا إطلاق الصواريخ بشكل متواصل، انطلاقًا من تصورها بأن هناك فراغًا داخل إسرائيل بين حكومة مستقيلة، وانتخابات سوف تسفر عن حكومة جديدة لم تتشكل بعد، وأن هناك فراغًا مماثلاً فى البيت الأبيض بين الإدارة المنصرفة، والإدارة المنتهية، سوف يشل أيدى الطرفين عن التخطيط لعدوان شامل على غزّة، وبالتالى فإن مواصلة إطلاق الصواريخ، هى إشارة إنذار للإدارتين القادمتين، سوف تدفعهما إلى تغيير سياستهما تجاه الوضع القائم فى غزّة، والاعتراف بالأمر الواقع فيها، فكانت النتيجة أن وقعت فى الفخ، وأعطت لإسرائيل الذريعة للقيام بعدوانها ولأنصارها فى العالم للادعاء بأنها تمارس حقها المشروع «فى الدفاع» عن نفسها. وعلى عكس هؤلاء، يذهب آخرون من المحللين، إلى القول بأن حكومة غزة «لم تفاجأ بالعدوان، بل سعت إليه، وخططت لاستدراج إسرائيل للقيام به، بانسحابها من الحوار الوطنى الذى سينتهى بإنهاء استقلال غزّة، وبتشكيل حكومة وحدة وطنية من عناصر مستقلة أو تكنوقراطية مقبولة من كل الأطراف، ثم برفضها تجديد التهدئة، ومع أن رفض التمديد لم يكن يتطلب بالضرورة الاستمرار فى إطلاق الصواريخ، فقد كثفت إطلاقاتها، بهدف استفزاز إسرائيل ودفعها للقيام بعدوانها، لتأزيم الوضع فى المنطقة، ودفع كل الأطراف الدولية والإقليمية للتحرك، تحت ضغط غضب الرأى العام فى البلاد العربية والإسلامية، بحثًا عن حل يوقف نزيف الدم فى غزّة، ينتهى بتحقيق مطلبها الأساسى وهو: فك عزلتها الدولية والإقليمية والاعتراف بها كحكومة لدولة مستقلة ومحررة.. هى إمارة غزّة الإسلامية وليست الفلسطينية أو حتى العربية! وكما أن أحدًا لا يستطيع أن يجزم بالحسابات التى بنت عليها حكومة غزّة موقفها حين قررت الانسحاب من الحوار الوطنى، وتصعيد الموقف العسكرى مع إسرائيل، فإن أحدًا لا يعرف العوامل التى تدفعها لرفض الموافقة على أى مشروع قرار لوقف إطلاق النار. من الوارد بالطبع أن تكون لدى «حكومة غزّة» إمكانيات للقتال تدفعها لمواصلته حتى تحقق هدفها من التصعيد، سواء كانت هى التى جَرَّت إسرائيل إليه، أو كانت «تل أبيب» هى التى استدرجتها إليه، وهو ما تبدَّت دلائل عليه، باستمرارها فى إطلاق الصواريخ طوال الأيام الستة الماضية، ومن بينها أنواع منها لم يكن مقدرًا أنها تملكها مثل صواريخ «جراد».. التى يصل مداها إلى 40 كيلومترًا، على الرغم من أنها تفتقد أجندة التوجيه، التى تضمد إصابتها لأهداف محددة، وقد تكون لديها صواريخ يصل مداها إلى 76 كيلومترًا، كما هدد بذلك قادتها العسكريون، وقد تكون لديها خطط للمقاومة، إذا ما قررت إسرائيل القيام بعملية بريّة.. وفى هذه الحالة فإن عليها أن تواصل القتال، لكى تُلْحِق بإسرائيل من الخسائر المادية والبشرية، ما يعوض بعض ما ألحقته بأهل «غزة» من دمار، ويكون من الخطأ، أن نطلب نحن العرب هدنة أو وقفًا لإطلاق النار. أما إذا لم يكن لدى حكومة غزّة، إمكانيات للصمود، تؤدى إلى نتائج ولو كانت محدودة، وتساهم فى إقناع المجتمع الدولى والإسرائيليين أنفسهم، بأنه لم يعد هناك مفر من الاعتراف بالحقوق المشروعة للشعب الفلسطينى دون تسويف أو تضييع للوقت، فمن الخطأ أن ترفض مشروعات قرارات وقف إطلاق النار، لتعود الأمور إلى ما كانت عليه، على الرغم من الدم الذى سفك، والأطفال الذين ماتوا، والنساء اللواتى تشردن، والبنية التحتية التى تحولت إلى رماد، فتقبل حكومة «حماس» اتفاقًا للتهدئة، بنفس الشروط التى رفضتها من قبل: وقف «دائم» لإطلاق الصواريخ مقابل فتح دائم للمعابر الإسرائيلية، ولكن بعد أن يتم تدمير الانفاق التى كان يجرى تهريب صواريخ جراد منها عبر أراضى «الخونة» المصريين.. وبعد أن تحتل إسرائيل الجانب الفلسطينى من معبر «رفح»، لتديره بدلاً من خونة رام الله.. ويا أهلنا فى غزة: الله معكم.. ونحن معكم: فكونوا مع اللّّه ومع أنفسكم.