أخيرًا شاهدت فى المهرجان الوطنى للأفلام المغربية الفيلم المغربى الفرنسى المشترك «كل ما تريده لولا» إخراج نبيل عيوش، والذى أثار منعه فى مهرجان الإسكندرية بعد الإعلان عن عرضه فى الافتتاح، الأزمة الكبيرة المعروفة.. الحق أن الزملاء النقاد الذين يعملون فى مهرجان الإسكندرية، والذين اختاروا هذا الفيلم للعرض فى الافتتاح كانوا على حق تمامًا، فالفيلم لا يسىء إلى مصر، كما قال الذين منعوه من إدارة الجمعية التى تنظم المهرجان، وإنما هم الذين أساءوا إلى مصر بمنعه من العرض، وعبروا بذلك عن انحيازهم للقوى الظلامية التى تريد لنا العودة إلى عصور وسطى جديدة. منذ اللقطات الأولى لأول فيلم أخرجه نبيل عيوش، عام 1999، وهو فيلم «على زاوا»، الذى شاهدته فى مهرجان برلين، أدركت أنه إعلان عن مولد موهبة حقيقية من أكبر المواهب السينمائية فى العالم العربى والعالم كله، وليس فى المغرب فقط، وفى فيلمه الجديد «كل ما تريده لولا»، يعبر عيوش عن طموحه الفنى الكبير لإخراج فيلم «عالمى» بكل معنى الكلمة، أى قابل للتوزيع والعرض فى مختلف دول العالم عبر الإنتاج المشترك مع شركة باثيه، وكان الفيلم الوحيد فى مسابقة المهرجان الوطنى الذى لم يحصل على الدعم الحكومى، كما يعبر فيه عن ولعه بالسينما المصرية والعربية بحمع نجوم من أمريكا مع نجوم من مصر والمغرب ولبنان وتونس ولو فى مشهد واحد أو لقطة واحدة من كارمن لبس إلى هشام رستم، ومن مريم فخر الدين إلى هند صبرى. والأهم أن الفيلم يعبر عن حب الحياة وحب الفن، فى مواجهة القوى التى تكفر الفن وتعظم الموت والقتل باسم الدين، وكل الأديان منها براء. ويتم التعبير عن هذا المعنى دراميًا وبأسلوب سينمائى تقليدى ولكنه بارع من خلال فتاة أمريكية تحب الرقص، ويستهويها الرقص الشرقى، الذى عرفت به مصر، فتذهب إليها، وتتعلم على يدى راقصة معتزلة، وتحقق نجاحًا كبيرًا، قبل أن تعود إلى بلدها، فالرقص هنا كما فى فيلم يوسف شاهين «المصير» تعبير عن حب الحياة والفن، وهو أقدم الفنون التى عرفها الإنسان، وفيلم عيوش من ناحية أخرى تحية طويلة إلى راقصات مصر فى العصر الذهبى للسينما المصرية مثل تحية كاريوكا وسامية جمال، وفيه تبدو قاهرة خاصة بالفنان تجمع بين كل التناقضات من سكان المقابر إلى سكان القصور، ولكنها فى جميع الأحوال تفيض بالحيوية مثل كل المدن العريقة الكبيرة. ومن الواضح أن الذين اعتبروا الفيلم إساءة إلى مصر يرون أن الفتاة الأمريكية تأتى إليها لتتعلم الرقص والعمل كراقصة وكأن هذا كل ما يمكن أن تفعله فى مصر، ولكن هذه نظرة سطحية لأن «حين ميسرة» لا يعنى أن كل مصر عشوائيات، و«الجزيرة» لا يعنى أن الصعيد تحكمه العصابات خارج القانون، والحقيقة أنهم يعبرون عن موقف ضد الرقص وضد الفن وضد الحياة. [email protected]