فى الحرب، كل شىء مباح، ولست مع الذين عابوا على الزميل الصحفى منتظر الزيدى سلوكه فى المقاومة وضربه الرئيس الأمريكى بحذائه، فإذا كان الزيدى ضرب شخصاً واحداً بالحذاء انتقاماً لكرامة بلاده، فقد ضرب هذا الشخص، رئيس القوة الغاشمة، شعباً بأكمله بما هو أقوى من الحذاء وأشد مهانة، لقد اعتدى على سيادة وطن وانتهك حرمته وحرمة رجاله ونسائه، وعاث جنوده فساداً، وما وقائع سجن أبوغريب ببعيدة، بل جاء هذا الشخص بفجاجة ليقول إنه أخطأ باحتلال العراق!! هل من السهل فعل ذلك ثم الاعتراف بالخطأ أو الندم؟ هل تدمر بلداً بأكمله بمبرر كاذب ثم تبدى أسفاً؟ يا للبجاحة! إن ما فعله الزيدى ليس إلا نوعاً من المقاومة، وهو أمر مشروع ضد قوة غاشمة محتلة، وإذا كان استخدام الحذاء فى المقاومة مسألة جديدة واختراعاً يستحق أن ينسب إلى الزيدى، إلا أن التاريخ ملىء بأنواع لا تحصى من طرق المقاومة، فشعب رشيد استخدم الأدوات المنزلية للمقاومة ضد الحملة الإنجليزية أوائل القرن التاسع عشر، ومواطنو الهند استخدموا، أو قاطعوا استيراد الملح والنسيج فى نوع من المقاومة السلمية التى آتت ثمارها بعد ذلك باستقلال الهند، ولا ننسى قباقيب شجرة الدر، أو التى ضربت بها شجرة الدر من جانب ضرتها وأعوانها. لقد عاش الزيدى والشعب العراقى الشقيق محنة كبيرة خلال السنوات الماضية لم يشهدها تاريخ هذا البلد العريق من قبل، حتى حين اجتاح التتار بغداد.. وكل مواطن غيور على وطنه لابد أن يأتى عليه الوقت الذى تندفع فيه الدماء فى عروقه ليقوم بفعل مقاومة بشكل أو بآخر، تأكيداً لإرادته الحرة.. والمقاومة بأى شكل هى ترجمة لهذه الإرادة، ترجمة مادية عضلية أو مسلحة، وهى تقوى وتشتد عندما لا تجدى المقاومة المعنوية أو النضال بالكلمات والمفاوضات، وبقدر الألم يأتى رد الفعل من المواطن الحر، وقد سبب الاحتلال الأمريكى ألماً شديداً للعراق وأهله. وإذا كان الزيدى، كصحفى وإعلامى، ليس من المحترفين فى المقاومة بالسلاح خاصة فى مؤتمر صحفى للرئيس الأمريكى، فقد استخدم الوسيلة المناسبة للتعبير عن قدر المقاومة بداخله، مستغنياً عن حذائه الذى ذهب إلى السجن بدونه رغم أننا فى الشتاء وكان يحتاج إليه منعاً للرطوبة والروماتيزم، المؤسف أنه رغم أن القاعدة الأساسية فى حرب العصابات هى «اضرب واجرى» إلا أن الزيدى لم يتمكن من الهرب. فى كل الأحوال، لقد حجز الزيدى لنفسه مكاناً فى التاريخ، كما دخل بوش التاريخ من باب المضروبين بالجزم وليس من أى باب آخر، تحية للزيدى ولكل من يقاوم دفاعاً عن حقه وحق وطنه مهما كانت الوسيلة.