(1) القارئ لردود الأفعال التى تسارعت فى تناول جريمة القتل الأخيرة، والشاهد على الحوارات التى امتدت فى كثير من الفضائيات والمنتديات.. يمكنه أن يلحظ بسهولة ويسر، ومن خلال التحليل الأولى، الحالة المصرية الراهنة... هذه الحالة التى تكشفت بوضوح وبغير تجميل، خاصة عندما لم يأت مسار التحقيقات بما كان يتوقعه أو يريده الناس..وهنا، ربما، مكمن اختلاف هذه الحادثة عن حوادث أخرى سبقتها حظيت باهتمام الناس لأنها اقترنت باسم أحد المشاهير. نقول إن هذه الحادثة كانت كاشفة، نعم كاشفة، بداية من الكيفية التى يتم بها تناول هذه النوعية من الحوادث، إلى المواقف التى يتم إعلانها من قبل العديد من الأطراف، والتى تكشف عن اتجاهات التفكير فى العقل المصرى، وما تكشف عنه الواقعة من ملفات كثيرة أخرى عن أحوال مصر والمصريين.. كيف؟ (2) فى البدء يتلقف الناس هذه النوعية من الأحداث بعدم ثقة حيث هناك إحساس بأن هناك سرا مخفيا، فلا ثقة فى أى وقائع أو أدلة أو قرائن يتم الإعلان عنها.. الأكثر هو كيف يطلق البعض لأنفسهم العنان فى نسج وقائع وتفاصيل، عن يقين لا يقبل الشك، بديلا عن المعلن.. ربما ينتج هذا بسبب خبرة سابقة عن تواطؤ تم، بحسب الاعتقاد العام، «للتقفيل» على قضية معينة، وتم دفع مبالغ ضخمة فى سبيل ذلك وكان هذا إعلانا لما يمكن أن يفعله المال فى إخفاء الحقيقة.. ومن جهة أخرى التسويق الذى يقوم به الإعلام التجارى للحياة الشخصية للمشاهير.. هذا بالإضافة إلى الإدراك العام، سواء كان ذلك صحيحا أو لا، إلى أن إعمال القانون بين الجميع على قاعدة المساواة المطلقة بات عزيزا، حيث هناك عوامل أخرى تتحكم فى ذلك.. ويتأكد لدى الناس ما سبق عندما يحاول البعض أن يستخدم ساحة القضاء النزيهة وسيلة للشهرة أو لتحويل نظر العدالة عن القضية الأساسية.. إلخ، ويصرف فى هذا المقام الكثير، مرة أخرى المال.. وبالأخير يترتب على ما سبق أن الأحكام تكون جاهزة وسابقة لأى محاكمة.. وما الأحكام فى الواقع سوى تعبير عن اتجاهات التفكير التى تحكم العقل المصرى الراهن..ما هما؟ (3) يمكن أن نقول، ومن خلال التحليل الأولى لردود الأفعال، إن العقل المصرى يتراوح بين اتجاهين أساسيين، هما: ■ الدينى الظنى. ■ والاجتماعى الثأرى. أقصد بالأول الاتجاه الذى يأخذ بالقراءة الدينية لكل واقعة تحدث دون أن يفسح المجال لأى قراءات أخرى:نفسية أو اجتماعية اقتصادية.. إلخ، والحكم حاضر حيث يؤخذ بالظن، بالرغم من أن بعضه إثم.. وفى الأغلب، ونفصّل هذا فى مقال آخر، لا يكون الدين، بالمعنى العميق، هو الحاضر، وإنما الثقافة المحافظة التى تحكم على الأمور من حيث الظاهر.. ثقافة ترى المجتمع فى حالة سكونية ولديها نموذج مسبق لشكل المجتمع، تقيم الواقع المتغير بحسب هذا النموذج.. لا تتصور أن المجتمع، يتغير ولا تستوعب المستجدات والتغيرات التى تطرأ عليه، لأنه من غير المسموح الخروج على المألوف أو على النموذج الذى تتصوره نموذجيا فى ظنهم، أما الاتجاه الثانى، فنجده متبلورا لدى كثيرين ممن يعانون واقعا مؤلما بسبب الاختلالات الاقتصادية والاجتماعية.. والعجز عن إحداث التغيير من خلال الوسائل المدنية الطبيعية المتعارف عليها فى الدول الحديثة، والتى تحاول إعادة بعض التوازن فى المجتمع بين من يملك ومن لا يملك،على قاعدة الحقوق المتساوية، ومن ثم تكون النتيجة هى الثأر ممن يظنون أنه يستحق هذا، إما مباشرة أو من خلال تبرير الثأر، خاصة أن هناك فى الواقع الكثير مما يبرره.. إن مثل هذه الوقائع والحوادث توضح كيف أن هناك من لا يريد «أن يبصر المصريون بحقائق أمورهم» (بحسب طه حسين فى «المعذبون فى الأرض»).. فبدلا من المواجهة العلمية للواقع الذى ينتج غياب الثقة العامة /الشعبية Public Confidence بإقامة العدل، وتحرير العقل من المحافظة التى تبقى الواقع على ما هو عليه، واختصاره فى بعده الأخلاقى دون سواه.. وبدلا من الالتفات لأهمية التحولات ولموازين القوى المجتمعية، فإن النتيجة هى ردة الفعل الاجتماعية التدميرية الثأرية لا التغييرية بحق.. وهناك فرق بين الأمرين..