سافرت إلى كندا لحضور معرض مونتريال الدولى للكتاب تاركاً صحافتنا الغراء مشغولة بجريمة مقتل إحدى المطربات اللبنانيات، وعدت بعد أسبوع واحد فقط لأجدها مشغولة بمقتل ابنة مطربة مغربية، ولما كنت قد عجزت قبل سفرى عن فهم الجريمة الأولى التى تضاربت فيها ما نشرته الصحف من معلومات، فقد حاولت عند عودتى أن أفهم الجريمة الثانية. وهكذا وضعت أمامى كل الصحف التى صدرت أثناء سفرى محاولاً متابعة ما نُشر فى هذا الموضوع حتى لا أكون مغيباً عن أهم قضية فى بلادى، فالأزمة الاقتصادية الأمريكية التى انتقلت تداعياتها إلى بقية العالم أعرف ملابساتها. وكذلك مأساة حصار غزة التى تفاقمت فى الآونة الأخيرة، لكن ماذا يكون منظرى لو تواجدت فى مجلس مهم، وتحدث الناس عن قضية ابنة المطربة المغربية وصديقتها اللتين قتلتا فى مدينة الشيخ زايد فلم أفهم ما يقولون؟ لقد أسعفنى النائب العام فى الجريمة الأولى وأصدر قراره بحظر النشر فوجدت فيه مخرجاً كريما لفشلى فى فهم أبعاد القضية، وكلما سألنى أحد فى الموضوع كنت بدلاً من أن أعترف بعجزى عن فهم الأخبار المتضاربة التى تنشرها الصحف أؤكد لسائلى أننى ملتزم بقرار الحظر، وأقول للجميع فى حزم: أرجوكم.. هناك قرار صادر من النائب العام ينبغى احترامه، فكانوا ينظرون إلىَّ ببعض الدهشة وبكثير من الريبة، وينسحبون إلى حيث لا أستطيع سماع ما يقولونه فى هذا الموضوع، خشية أن أبلغ النائب العام أنهم من الخارقين لقراره. ولقد تمنيت أن يسرى قرار الحظر على الجريمة الثانية أيضاً لما هناك من تشابه بين القضيتين، فالجريمة الثانية مثل الأولى تتعلق بقتل ابنة مطربة، والطرب العربى واحد، والأداة المستخدمة فى الجريمتين واحدة، وهى السكين، التى اشتراها القاتل قبل الجريمة، والغموض الذى يحيط بالعلاقات الزوجية للضحيتين واحد، ففى الحالة الأولى تضاربت الأقوال حول من هم أزواج القتيلة، وفى الحالة الثانية تضاربت الأقوال حول خطيب القتيلة الذى ظهر فجأة أنه زوجها. لكن للأسف أن النائب العام خذلنى فى الجريمة الثانية فاضطررت للرجوع إلى الصحف التى صدرت أثناء سفرى كى أتابع تفاصيل القضية. والحقيقة أن التغطية الصحفية فى الجريمة الأخيرة كانت عظيمة فحمدت الله والحكومة على حرية الصحافة التى نتمتع بها، والتى مكنت صحافتنا المسؤولة من أن تحيط القارئ غير المتابع مثلى بكل ملابسات القضية، فنشرت مثلاً أن الجريمة تمت بدافع الانتقام وليس السرقة، حيث قطع القاتل لسان واحدة من الضحيتين ولم يسرق أى شىء من المنزل، ونشرت أن القاتل معروف للقتيلة وأنه دخل المنزل بشكل طبيعى، وأن الجريمة وراءها المخدرات. ونشرت أيضاً أن القتيلة الثانية قُتلت بعد الأولى بأربع ساعات أمضاها القتيل فى المنزل، ونشرت أن القتيلة اتصلت بخطيبها/ زوجها فى مصر الجديدة، وأنه حضر بعد ساعتين فوجد الجريمتين قد وقعتا رغم فارق الساعات الأربع المذكورة. وبعد جمع كل تلك المعلومات وارتياحى إلى أننى أخيراً فهمت القضية التى تشغل الناس فى الوقت الحالى، وأننى أستطيع أن أتحدث بكل ثقة فى هذا الموضوع أمام «أجعص جعيص» فوجئت بعد أيام قليلة بالقبض على الجانى الذى ثبت أنه ارتكب جريمته بدافع السرقة، وأنه غير معروف للقتيلة، وأنه اقتحم الشقة عنوة عن طريق كسر شباك المطبخ، وأنه سرق مبلغاً من المال وتليفوناً محمولاً. وأن الجريمة لا علاقة لها بالمخدرات، وأن القاتل ارتكب الجريمتين الواحدة تلو الأخرى ودون انتظار بينهما، وأنه لم تكن لديه أى أسباب تدفعه لقطع لسان الضحية الثانية، بينما تواجدت لدىَّ أنا أسباب عديدة ورغبة شديدة فى قطع الكثير من الألسنة الأخرى.