أعترف بأننى لم أكن أقرأ صفحة «الحوادث» إلا فى حالات نادرة، إذ يكفى ما نعانيه ونحن نتابع تصريحات الرئيس الأمريكى جورج بوش التى تُعد بمثابة «الأدرينالين»، الذى يجعل الدماء تصعد ساخنة إلى الرأس وتُصيب بالصدّاع بسبب غطرسته المزعجة.. كما لا تترك لنا تطورات «النضال» العربى، الذى أوصلنا إلى المشهد الراهن ثانية واحدة لنظرة واحدة على صفحة الحوادث.. ومنذ أيام قرأت خبراً فى «المصرى اليوم» عن «اختفاء يوسف عبدالرحمن وراندا الشامى من منزليهما»، وتنفيذ الأحكام تقول إنها تتعقبهما!! وأول ما لفت نظرى فى الخبر أن قوة المباحث التى توجهت لإلقاء القبض عليهما لتنفيذ العقوبة لم تجدهما لأنها، ببساطة، ذهبت لأداء المهمة بعد يومين من صدور الحكم!.. وأخذت أسأل نفسى: لماذا بعد يومين؟.. لقد تغيب المتهمان عن جلسة النطق بالحكم، والمفروض أنهما كانا تحت أعين الأمن حتى لا يفلتا من العدالة، وأن القضية التى حوكما بسببها تتعلق بالمبيدات المسرطنة.. أى التى أصابت عشرات الآلاف وربما مئات آلاف المصريين بمرض السرطان اللعين، وثبت أنها - أى المبيدات - دخلت البلاد «بمنتهى الاستهتار دون تحليل أو تجريب أو تقديم أى دراسات علمية معترف بها تفيد صلاحيتها.. إلخ»، فأين كانت أجهزة الدولة طوال سنوات والمبيدات تتدفق علينا والأموال تتدفق على «وكيل أول وزارة الزراعة سابقاً»؟ ولماذا بدا يوسف عبدالرحمن «واثق الخطى» فى جلسة النُطق بالحكم الأولى والتى «تأجلت؟!» أسبوعاً، وإذ بالرجل لا يحضر لا هو ولا راندا الشامى ولا بقية المتهمين يوم النُطق بالحكم!.. ودقت الأسئلة رأسى كالمطارق.. لماذا ينجح نوع معين من «كبار» المتهمين فى الهرب من قضاء عقوبات تعتبر «خفيفة» جداً، قياساً إلى الضرر الذى تسببوا فيه؟ هل يلومنا أحد إذا استنتجنا أن «منظومة الفساد» بتشعباتها أقوى من القوانين وأقدر من الأجهزة التى تتقاضى رواتبها من «عرقنا» الذى ازداد غزارة نتيجة الهزال والأمراض الناجمة عن الإصابة بالسرطان المفضى حتماً إلى الوفاة، حيث يقال فى النعى.. بعد صراع طويل مع المرض.. خشية تسميته باسمه اللعين؟.. وهل يلومنا أحد إذا اهتزت ثقتنا فى أجهزة الأمن ليس لسوء نيتها لا سمح الله، ولكن لعدم كفاءتها؟.. وبماذا يمكن أن نرد على ما قد يقال من أن المتهمين أبلغوا بأنهم سيدانون وأن «فرصة» يومين بعد النطق بالحكم قد سمحت لهم بالاختفاء أو الهرب ربما إلى خارج البلاد؟.. ألا يثير اكتفاء المحكمة ببطاقة يوسف عبدالرحمن الشخصية وإخلاء سبيله بضمانها، الضحك، حتى وإن كان ضحكا كالبكاء؟ وما هى دواعى «الثقة» فى الرجل الذى كان يعرف بالتأكيد أن «مبيداته» التى حقق ثروة من إدخالها مصر، مبيدات قاتلة!.. ومن يتحمل دم الضحايا وتدمير أسر بأكملها جراء فقد عائلها أو أحد أفرادها.. إن أبسط حق لضحايا مبيدات السرطان يقضى بالإجابة عن الأسئلة التى تحرق صدورنا وتبخر أملنا فى أن ينال المجرم أو المخالف جزاءه.. وأبسط حقوقنا - نحن الذين لم يقتلنا التلوث بعد - أن نعرف.. نعم أن نعرف!.. وبالمناسبة.. لم أجد لهذه الواقعة أى أثر فى الصحف القومية، فهل يا ترى هناك «حظر» نشر أخبار هرب المتهمين فى هذه القضية الخطيرة؟ وإذا لم يكن هناك حظر نشر، فما هى دواعى تجاهل هذه الصحف قضية بهذه الخطورة؟ ستظل الأسئلة تطاردنا بصدد مسلسلات كثيرة، انضم إليها منذ أيام مسلسل «هروب عبده وراندا«!