لا خوف بالمرة من تعرض العلاقات بين مصر والسعودية لأزمة سياسية، بسبب أزمة الطبيبين المصريين والأحكام الصادرة بسجنهما وجلدهما. وأقوى الأدلة على ذلك أن وزير الخارجية السعودى الأمير سعود الفيصل فى المؤتمر الصحفى الذى عقده من أيام هو وعمرو موسى، الأمين العام لجامعة الدول العربية بعد انتهاء أعمال الاجتماع الطارئ لوزراء الخارجية العرب لبحث الأزمة بين حركتى فتح وحماس والمصالحة بينهما، أكد أن مصر - وليس غيرها - هى المؤهلة بالتوسط ومواصلته رغم أن أزمة عنيفة كانت قد حدثت عندما دعا الملك عبدالله لعقد مؤتمر فى مكة بين كل الفصائل الفلسطينية ورعاية اتفاق فيما بينها دون دعوة الرئيس المصرى وهو ما اعتبره النظام تجاهلاً متعمدًا لدوره ومكانته. وبالتالى لا خوف من آثار الحملات الصحفية ضد السعودية، بسبب مشكلة الطبيبين لعدة أسباب.. أولها أنها تركزت أساسًا فى بعض الصحف الحزبية والمستقلة.. وكادت تنعدم فى الصحف القومية، وحتى ما نشر فيها عن أزمة الطبيبين اتسم بالهدوء إلى حد كبير فى مهاجمة السعودية، وبالتالى لا تستطيع اتهام النظام بأنه الذى حرك هذه الحملات لأن أصحابها هاجموا النظام - بنفس العنف إن لم يكن أكبر- الذى هاجموا به السعودية واتهموه بالخضوع لها، وبأنه أضاع هيبة مصر ومكانتها، واهدر كرامة المصريين فى الداخل مما شجع الآخرين على إهدارها فى بلادهم. وثانيًا: أن السعودية وغيرها، أصبحت الآن مقتنعة بأن النظام لا يهاجمها بواسطة بعض الصحف الحزبية وتحميله المسؤولية عنها، وهو ما حدث سابقاً منذ سنوات مع صحيفة الأهالى لسان حال حزب التجمع اليسارى المعارض. فقد أخبرنى قيادى كبير فى الحزب أنهم اضطروا إلى وقف حملة بعد اتصال من مسؤول هاجم وقفها حتى لا تُصاب مصالح المصريين العاملين فيها بالضرر، كما أن النظام تدخل لدى صحف معارضة أخرى لتخفف من عنف هجماتها ضد ليبيا والقذافى بعد أن هددت بطرد المصريين العاملين فيها، وعلى ما أذكر كانت الحملات بسبب ما نشر عن أنه طالبه بإيصال مياه نهر النيل لبلاده. المهم، أن هناك اقتناعًا الآن بين الدول بأن النظام لم يعد فى وضع يصبح فيه قادرًا على تحريك حملات ضدها فى الصحف الحزبية أو الخاصة، لأنهم يقرأون فيها هجمات عنيفة ضد الرئيس نفسه وأسرته، وبالتالي، فقد أصبحت قاعدة الحساب هى ما تنشره الصحف القومية، وبالذات رؤساء تحريرها. لكن المزعج فى بعض المقالات أنها حاولت تصوير الأمر وكأنه تعبير عن كراهية تاريخية من السعوديين نحو المصريين وثأر منهم، لأن محمد على باشا والى مصر عندما كانت تابعة للخلافة العثمانية طلب الخليفة منه إرسال حملة عسكرية للقضاء على الحركة الوهابية فى نجد، وأرسلها بقيادة ابنه طوسون، ثم إبراهيم، وتدمير عاصمتها فى الدرعية، والبعض الآخر حصر كراهية المصريين فى أهل نجد والأسرة السعودية فقط، أما سكان المنطقة الشرقية، والمدينة المنورةوجدة فهم يحبونهم ووصفت هذه المقالات بالمزعجة لأنها تتجه إلى ضرب روابط القومية العربية بيننا وبين أشقائنا السعوديين وغيرهم من العرب كلما وقعت مشكلة معهم بسبب إساءة البعض معاملة مصريين أو اتخاذ الاجراءات القانونية ضد من يرتكب جرائم من بعضهم، وهو ما حدث من عدة أشهر مع ليبيا عندما صدرت أحكام بالإعدام ضد مصريين ارتكبوا جرائم قتل وفى السودان عندما حدثت اشتباكات فى الخرطوم بين مصريين وسودانيين واحتجزت الشرطة السودانية بعضهم وكأننا لانريد من هذه الدول تطبيق قوانينها ضد أبنائنا العاملين فيها أسوة بسياسة النظام الحاكم عندنا فى التخاذل عن تطبيق القوانين على رعاياها فى مصر والتشدد فيها معنا.. وعلى كل حال فهذه الأحداث تنتهى دائمًا بعد تدخلات سياسية بين الأنظمة، ومشكلة الطبيبين فى طريقها للحل، لكن يبدو أن ما سيبقى هو عادة البعض فى مصر اثارة الكراهية بين المصريين ضد أى شعب عربى يتعرض مصريون لمشاكل فى بلده خاصة السعودية، بسبب استمرار الاعتقاد الخاطئ الذى يصل إلى درجة البغض لدى فريق من المثقفين بأنها التى صدرت وتغذى التطرف الدينى فى مصر ونشر الفكر الوهابى وقد أوضحنا من مدة فى هذا المكان بالأدلة أن التطرف الدينى فكرًا وسلوكًا صناعة مصرية أصيلة ورائدة. استمدت جذورها من ابن تيمية وغيره، قبل ظهور دعوة محمد بن عبدالوهاب بمئات السنين، وهو نفسه أخذ عنه.. وأضاف المتطرفون المصريون لها وأبدعوا لدرجة قتل رئيسهم السادات، ومحاولة الاستيلاء على الحكم بثورة مسلحة، والمدهش أن تصل عقدة الوهابية إلى أحد رجال الدين الأقباط الذى ألقى المسؤولية بطريقة غير مباشرة على السعودية بأنها وراء انتشار موجة للفصل بين الجنسين بين الأقباط، وهو القس بيمن الطحاوى، كاهن كنيسة مار مينا بطحا الأعمدة فى مقال عنوانه «الاختلاط ليس مفسدة» بجريدة وطنى يوم الأحد 16 من الشهر الماضى - نوفمبر - بدأه بالإشارة لانتشار مقولة -(ما اجتمع رجل وامرأة إلا والشيطان ثالثهما) وأضاف بالنص: «الكتاب المقدس يعلن أن اللّه منذ البدء لم يفصل بين الجنسين ومن يفتش الأسفار المقدسة جميعها فإنه لن يجد آية واحدة تحض على الفصل بين الجنسين».. ووصل إلى السبب فى ذلك وهو قوله بالنص: «إننا كمجتمع مصرى عشنا فترات تحت تأثيرات ثقافية واردة مختلفة عما تعودناه «وهكذا اختلط الفكر الوارد بالأصيل، ومنها كل ما يتعلق بالمرأة والاختلاط بين الجنسين وغيرها». وعندما تصل العقدة إلى هذا المستوى فلابد أن نسأل أشقاءنا السعوديين: كيف نشرتم الفكر الوهابى بين أشقائنا الأقباط؟!