لن يقبل محمد إبراهيم سليمان، وزير الإسكان والمجتمعات العمرانية السابق، والذى يواجه تهماً بالفساد والرشوة أثناء توليه الوزارة، أن يكون المتهم الوحيد فى القضية أو بمعنى صريح «كبش فداء» لمنظومة الفساد فى مصر، التى تشبه فى تعقيداتها ورائحتها شبكة الصرف الصحى. فالوزير السابق الذى تعامل مع ثروة مصر العقارية وكأنها ملك خاص له ولأسرته وأقاربه ومحاسيبه لديه ما يثبت بالتأكيد تورط مسؤولين كبار معه وإلا ما نجح فى الاستمرار فى منصبه الوزارى طيلة 12 عاما من عام 93 وحتى 2005، عاصر خلالها 4 رؤساء وزراء هم على التوالى: الدكتور عاطف صدقى، والدكتور كمال الجنزورى، والدكتور عاطف عبيد، والدكتور أحمد نظيف، رئيس الوزراء الحالى، وعليه أن يقدم شنط الوثائق التى تحدث عنها إذا كانت لديه الجرأة والشجاعة أو قبل أن نفاجأ بخبر هروبه أو اختفائه مع أسرته مثل باقى الهاربين وتضيع الملفات وكفى الفاسدين الفضيحة والتحقيقات، هذا إذا ثبتت عليه التهم. لكن السؤال الذى يتحتم الإجابة الشافية عليه هو: هل كان سليمان وحده فى الفساد، أم هناك من ساعده وتورط معه وشجعه وصمت عنه طوال 12 عاما؟ هل هم رؤساء الوزراء الذين عمل معهم أم آخرون تتجاوز سلطاتهم سلطة هؤلاء؟ وهل تفسد السمكة من ذيلها أم رأسها؟ من أين هبطت عليه كل هذه الثروة والفيلل والقصور، هل من تدريسه فى هندسة عين شمس أم من مكتبه الهندسى قبل توليه الوزارة؟. رائحة الفساد فى وزارة الإسكان والمجتمعات العمرانية كانت تزكم الأنوف إلا أنف الحكومة التى كافأته بمنصب ضخم فى رئاسة شركة الخدمات البترولية والبحرية فى يونيو الماضى رغم كل الاتهامات التى كانت تلاحق الوزير السابق فى وسائل الإعلام ومجلس الشعب قبل إحالتها للنيابة وبدء التحقيق معه. بالتأكيد الوزير السابق ليس وحده فى الفساد، والأمر يحتاج إلى فتح جميع الملفات ومحاسبة المتورطين، فقطار الفساد السريع فى مصر لن يتوقف طالما تعطلت آليات الرقابة الحقيقية وتفعيل قوانين المحاسبة والعقاب ومنح أجهزة الرقابة والمتابعة فى مصر السلطات الحقيقية لكشف عمليات الفساد بجميع أشكاله وصوره وتقديم المتورطين للمحاكمة، وإذا كان هناك فى مصر قانون «من أين لك هذا» فلماذا لا يتم تفعيله لمحاسبة المسؤولين أثناء توليهم مناصبهم وبعد مغادرتهم لها، ولماذا لا يتقدم كل مسؤول، خاصة الكبار منهم بإقرار ذمة مالية إلى الجهة الرقابية أو أن يلزم الوزراء وأصحاب المناصب العليا بالتقدم علانية بإقراراتهم المالية أمام مجلس الشعب قبل توليهم مناصبهم حتى يعرف الرأى العام مداخيلهم وحجم ثرواتهم قبل وأثناء وبعد المنصب؟ هل نحن حالمون وننشد المستحيل بعينه عندما نطالب بالرقابة وتفعيل قوانين مكافحة الفساد وتجفيف منابعه؟ وهل تبددت ثقة الناس فى مصر تماما فى إحداث ثورة شاملة للقضاء على كل هذا الفساد أو على الأقل تحجيمه. هل من المعقول أن يدرك كل ذى عينين وبصيرة سبل الحل للفساد فى مصر ويغيب الحل عن الحكومة رغم دراستها الطريفة منذ 3 أعوام والتى انتهت فيها إلى أن السبب هم صغار الموظفين والرشاوى والهدايا وتجاهلت الصناع العظام والكبار فى مهنة الفساد. كل تقارير الفساد الدولية تشير إلى حد الخطر الذى بلغه الفساد فى مصر. «وإذا قيل لهم لا تفسدوا فى الأرض قالوا إنما نحن مصلحون ألا إنهم هم المفسدون ولكن لا يشعرون» صدق الله العظيم.