مع أننى نسيت فى تلك الليلة، أن ألبس جلابية «على بابا»، ولم أقف أمام المرآة، لأهتف، كعادتى قبل أن أنام قائلاً: افتح يا سمسم.. فقد استيقظت فى الصباح، على مانشيتات الصحف، تبشرنى بأننى أصبحت شريكاً فى ملكية 153 شركة فى عين العدو، طبقاً لمشروع قانون مشاركة المواطنين فى إدارة أصول الدولة، الذى تنوى الحكومة، تقديمه لمجلس الشعب فى هذه الدورة، فأيقنت أن «سمسم» قد فعلها من دون طلب منحة، وفتح باب المغارة وأنا نائم، فدلفت إليها عبر أعمدة الصحف، أتفقد بذهول، يكاد يصل إلى حد الجنون، الصناديق والقفف والمقاطف والمشنات المليئة بأسهم الشركات، التى أصبحت شريكاً فى ملكيتها، وأقلب فى محتوياتها وأنا أهتف: دهب.. ياقوت.. زمرد.. مرجان.. أسهم.. سندات.. صكوك.. حكمتك يا رب! وهكذا غادرت المغارة، بعد أن ملأت جيوبى بكل ما خف حمله وغلا ثمنه من الأسهم والسندات.. وودعنى على بابها الدكتوران «يوسف بطرس غالى» و«محمود محيى الدين»، بالاحترام الذى يليق بمستثمر غير رئيسى.. وهما يقولان لى: ع البركة.. «يا مواطن بابا». لكن فرحتى باخت خلال الأيام التالية: فقد انخفضت قيمة الصك الذى خرجت به من مغارة «محمود بطرس بابا»، بشكل سريع وغير منتظم ومن دون أن تكون لذلك علاقة بانهيار المصارف الأمريكية، من ألفى جنيه، إلى أربعمائة جنيه، وتقلص عدد الشركات أو المشنات التى أصبحت مساهماً فيها، من 153 شركة إلى 85 مشنة فقط، وهجم على جيش الكتاب والمحللين والخبراء، الذين يزحمون الصحف، ويتربصون بالمواطن منا، خلف شاشة التليفزيون، ليفكوا فيه عقدهم. فما يكاد يراهم حتى يبشروه بأن الحالة نيلة، والبلد بايظة من ساسها لراسها، ورايحة فى داهية من عند «برقة» لحد «سينا»، فانهالوا على المشروع بمعاول ألسنتهم وأقلامهم، يهاجمونه ويسفهونه وعلى العبد لله، يسخرون منه، لأن الحكومة ضحكت عليه، وباعت له التورماى وميدان العتبة، وأن الصك الذى منحته له من مغارة «محمود بطرس بابا» ليس أكثر من صك على قفا البعيد! وحين عدت إلى تلك المقالات والتحليلات، أقرأها جملة، بعد أن قرأتها بالقطاعى، اكتشفت أنها تكاد تكون مقالاً واحداً، أقرب إلى موضوع الإنشاء النموذجى، الذى كان مقرراً علينا فى المدرسة الإعدادية، وكان بعنوان «وصف القاهرة فى يوم مطير»، فكلها تبدأ بإعلان الكاتب أو المحلل أن المشروع لا يزال غامضاً، وتنقصه تفاصيل كافية، وأنه لم يفهم منه شيئاً، وهو استهلال كان يفترض أن يمتنع الكاتب أو المحلل بعده عن الكتابة أو الكلام فى الموضوع انتظاراً لتبديد هذا الغموض أو إذاعة تلك التفاصيل، أو أن يقتصر على الأكثر على طرح الأسئلة التى تمكنه من إبداء الرأى، لأن الأصل فى كل صاحب رأى، أن يبديه فيما يعلمه ويعرفه.. لا فيما يجهله.. وما لم يبذل أى مجهود لفهمه! أما المهم فهو أن معظم الذين تناولوا الموضوع، قالوا الكلام نفسه، أو نقلوه عن بعضهم البعض، ابتداءً من أن المشروع غير دستورى، لأنه يخل بمبدأ المساواة بين المصريين، ويميز بينهم حين يحرم من يقل عن 21 سنة، من حقه فى الحصول على هذا الصك الحكومى على قفا البعيد، وأنه لعبة مكشوفة، ستنتهى بأن يبيع فقراء المصريين أنصبتهم، فتنتقل الصكوك من ملكيتهم إلى أقفية المحتكرين وحيتان الفساد، وهو ما حدث من قبل فى الاتحاد السوفيتى ودول أوروبا الشرقية، وليس انتهاءً بأن المشروع هو مشهد من سيناريو التوريث ومن خطة الحزب الوطنى، لشراء أصوات الناخبين فى الانتخابات النيابية والرئاسية لعامى 2010 و2011. والحقيقة أننى لم أجد فى ذلك كله مبرراً، يدفعنى لإعادة الصك الذى عثرت عليه فى مغارة «محمود بطرس بابا» إلى الحكومة ولا أظن أن واحداً من ال 41 مليون مصرى، سوف يتنازل عن حقه فى هذه الصكوك على قفا البعيد، استناداً إلى هذه الحجج غير المقنعة، ولابد لمن يعارضون المشروع، أن يبحثوا عن مبررات أقوى وأفحم، تدفع مواطناً مصرياً، لأن يرفض يد الحكومة الممدودة له، بصك تتراوح قيمته بين 400 و700 جنيه، طبقاً لآخر التقديرات، ويقول لها: دا واجب علينا. والمشروع المطروح هو فى جوهره، أسلوب جديد للخصخصة، يختلف عن الأسلوب الذى اتبعته الحكومة منذ عام 1991، وأسفر عن بيع أكثر من 150 من شركات القطاع العام، إلى مستثمر رئيسى سواء كان مصرياً أو أجنبياً يشتريها كلها أو معظمها، فلم يبق من شركات القطاع العام سوى 150 شركة أخرى، قررت الحكومة أن تحتفظ لنفسها، بنسب تتراوح بين 67٪ و51٪ و30٪ من أسهمها، وأن توزع علينا الباقى، صدقة جارية على روح المأسوف على شبابه القطاع العام. والمحك الذى ينبغى أن يحدد على أساسه كل حزب أو كاتب أومواطن موقفه من المشروع، هو موقفه من سياسة الخصخصة، فإذا كان مثلى ضدها من حيث المبدأ، فهو ضد المشروع، وضد الصك على قفا البعيد. أما إذا كان ممن يؤمنون بأن الجنة تحت أقدام الرأسماليين، مثل الحكومة، فعليه أن يختار بين أسلوبين للخصخصة، أسلوب تم تطبيقه بالفعل، وهو بيع القطاع العام لمستثمر رئيسى، والأسلوب المطروح، وهو احتفاظ الحكومة بنسبة من أسهم هذه الشركات، تتيح لها إدارتها، على أن نشاركها بنسب تتراوح بين 33٪ و49٪ و70٪. ولاشك أن الأسلوب المطروح، هو أفضل من بيع هذه الشركات لمستثمر رئيسى أجنبى، أو محلى، ولو تحققت الشكوك، بأن هذا المستثمر سوف يجمع الصكوك من الفقراء، فلا مشكلة هناك، لأن البديل، فى حالة عدم الأخذ بهذا الأسلوب، هو بيعها برضه لمستثمر رئيسى. باختصار ومن الآن: المشكلة ليست فى المشروع، بل فى سياسة الحكومة، التى تقوِّم يقيناً ثابتاً ومبالغاً فيه، ويشبه اليقين الدينى، بأن الجنة تحت أقدام الرأسماليين.. وهذا هو الصك الذى يتوجه إلى قفا البعيد..