لم أفاجأ حين شاهدت صورة ملكة الإغراء «بريجيت باردو».. وكذلك رمز الإثارة «كلوديا كاردينالى»، وقد عانقت ابتسامتاهما الواثقتان تلك التجاعيد والترهلات التى رسمها الزمن على الوجوه الفاتنة.. لم يفاجئنى ذلك ولم أتساءل أيضا: لماذا لم تلجأ هاتان الفاتنتان لأيدى الجراحين وصيحة التقنيات لتصلحا ما أفسده الدهر رغم قدرتهما على ذلك؟! فالجواب واضح لمن يتمتع ولو بجزء بسيط من الفراسة.. فهاتان وغيرهما من أغلب نجمات هوليوود يملكن من الثقة ما يغنيهن عن المشارط والسيليكون وحقن الدهون والكولاجين.. فقد أخذن من الزمن الكثير من الملذات والشهرة وحان وقت العطاء، فأعطين بلا خوف، وبقناعة مطلقة بأن السعادة الحقيقية تكمن فى التصالح مع الذات، والتى ترتفع فوق الخوف والأزمنة والأمكنة.. لذلك لم تحاول إحداهن الانتحار بقتل النفس أو بعيون الجماهير، كما انتحرت بعض فناناتنا المعاصرات بعيون جماهيرهن، حين سجنت كل واحدة منهن نفسها داخل حلقة مرحلة الصبا، على الرغم من تجاوزها الستين والسبعين من العمر.. واستبدلن بصورتهن الجميلة ومهرجان العيون الغارق فى بحور الصمت الدافئة، وضحكاتهن الكروانية.. صورة ممسوخة مشوهة.. فالتقاطيع محنطة من الوجنتين حتى الفم، والرموش مصلوبة على خشبة الأجفان دون حراك.. أما الضحكات المصطنعة فكأنها نابعة «من شريط مسجل»، مختبئ خلف الحنجرة، والحديث هلامى، والكلمات متقاطعة.. هالنى ما شاهدته فى المهرجانات الأخيرة من وجوه منتفخة كرغيف خبز «غير مخصص للطوابير»، وشفاه متورمة منحرفة عن طبيعتها. هذا غير أرطال من السيليكون والكولاجين.. واستغربت لتلك الجرأة فى الاستسلام لمباضع الجراحين، دون خوف من نتيجة آنية أو مستقبلية أو حتى دون رحمة بالجلود المستصرخة من ذلك التعذيب.. ناهيك عن ارتداء الموضة المصممة لأغصان البان من صبايا العشرينيات.. صور لفنانات هائمات فى فضاءات الشباب.. سجينات عالم خيالى مصنوع من الوهم.. أسماعهن مغلقة عن نواقيس الأعوام.. أعياد ميلادهن احتفاليات بأعوام تهرول إلى الوراء.. مرآتهن لا علاقة لها بمرآة الجمال المتهادى على أجنحة الحقب.. المتربعة بسلام على وجوه تعكس ما فى الروح من رضا ذلك الجمال المنتشى بكأس الخبرة والنضج.. الملتحف بشعار «لكل زمان دولة ورجال»، أو المثل الخليجى: «إن لم يطعك الزمن فأطعه». لا بأس من إصلاح ما أفسدته الأيام، دون تشويه للصورة الحقيقية ومسخها، فللشباب رونق يتدفق إلى الوجنات.. وبريق يتلألأ فى العيون، لا تستطيع بيعه مراكز التجميل بكل تقنياتها.. فلكل مرحلة نكهة مذابة بالقناعة وذكاء متقد بنار النضج الهادئة.. ما شاهدته من كرنفال تنكرى ذكرنى بأساطير حفلات القياصرة.. أثار بى وبالمشاهدين مشاعر العطف والشفقة. كلنا نحب الجمال ونحرص على الحفاظ عليه، بكل ما هو متاح من طرق تصحيحية معتدلة.. ولكن يبقى جمال الروح وما تحمله من مشاعر إيجابية هو الميزة الأهم للجمال الحقيقى.. وتبقى المشاعر السلبية المختبئة فى زوايا العتمة هى الصفة الأسوأ من صفات القبح، حتى لو اجتمع كل مقاييس الجمال.. وبقيت الوجوه المحنطة بلا حياة ولا تعبير إن كان بالسلب أو الإيجاب. .. وقول للزمان إرجع يا زمان..