توجد اعتبارات مهمة يمكن لأوباما أن يستثمرها «إذا ما أراد» لإحداث تحول فى تعامل بلاده مع القضايا العربية. أول هذه الاعتبارات أنه- أوباما- أول من يفوز بمنصب الرئاسة دون أن يكون مدينا لجماعات المصالح القوية. فالتمويل المذهل الذى جمعته حملة أوباما والذى وصل إلى أكثر من 600 مليون دولار جاء فى أغلبه من تبرعات صغيرة من مواطنين عاديين لا من المبالغ الكبيرة التى تقدمها جماعات المصالح القوية، وهو الأمر الذى يحرره من أسر تلك الجماعات ونفوذها. معنى ذلك أن أوباما يستطيع «إذا أراد» أن يتخذ مواقف أكثر جرأة إزاء القضايا التى طالما لعبت فيها جماعات المصالح - ومن بينها المنظمات المناصرة لإسرائيل - دورا مؤثرا. غير أن جماعات المصالح لا تؤثر فقط عبر تمويل الحملات الانتخابية، فهى تستمد نفوذها أيضا من حشد مناصريها للتصويت فى الانتخابات ومن قدرتها على تشكيل الرأى العام بشأن القضايا التى تهمها. ومن هنا تأتى أهمية الاعتبار الثانى وهو التحول المهم الذى جرى داخل الجماعة اليهودية الأمريكية نفسها. فقد شهدت السنوات الماضية تذمرا فى أوساط بعض الدوائر اليهودية إزاء اللوبى المناصر لإسرائيل (إيباك) فقد اعتبروا أنه قد صار يمثل مواقف يمينية متطرفة لا تعبر عن رؤى أغلبية اليهود الأمريكيين، واتهموه بأنه من خلال نفوذه القوى ومواقفه المتطرفة قد جر الساحة الأمريكية كلها إلى مواقف تضر بالمصالح الأمريكية بل الإسرائيلية نفسها. وقد أسفر ذلك الغضب المتنامى لدى هذا القطاع من اليهود الأمريكيين عن إنشاء لوبى جديد يتحدى إيباك علنا ويهدف إلى خلق توازن ما فى المواقف الأمريكية تجاه المنطقة. ورغم أن نفوذ هذا اللوبى الجديد وإمكاناته لاتزال محدودة للغاية بما لايقارن بإيباك إلا أن وجوده يمنح الرئيس الجديد غطاء سياسيا ما «إذا ما أراد» فعلا إحداث تحول فى السياسة الأمريكية. وإلى جانب هذين الاعتبارين، هناك اعتبار ثالث هو الحركة الضخمة التى دعمت أوباما وبإمكانه كرئيس أن يفعلها لتدعمه فى مواجهة الكونجرس والإعلام بشأن أى قضية ينوى إحداث تحولات بشأنها. غير أن القيمة الفعلية لهذه الاعتبارات الإيجابية تظل محكومة بما إذا كانت لدى الرئيس الجديد الرغبة فى استثمارها. ذلك لأن هذا الاستثمار سوف يعنى بالضرورة خوض معركة لا يوجد مايجبر الرئيس الجديد أصلا على خوضها. بعبارة أخرى، يتحتم أن ندرك نحن العرب أن أوباما سيكون أولا وأخيرا رئيسا لأمريكا لا يعمل إلا من أجل مصالحها، ومن ثم فهو لن يتطوع بتقديم هدايا مجانية لمن لا يملك أوراقا للفعل والحركة. ولا يقل أهمية عن ذلك أن باراك أوباما سيتولى الحكم وسط أزمات كبرى تعصف ببلاده وعليه حتى يحقق نجاحا أن يجيد استثمار رصيده السياسى ويختار معاركه بعناية. ومن هنا فما لم تكن هناك أجندة عربية واضحة تفرض نفسها فرضا فلن يكون هناك مايدعو أوباما – السياسى البراجماتى- لاستخدام رصيده السياسى من أجل قضية يلعب أطرافها دور المتلقى لا الفاعل، إذ سيفضل عندئذ أن يوفر رصيده السياسى لمعركة أخرى من المعارك الكثيرة التى سوف تفرض عليه.