يبدو من الأيام الأولى لمهرجان برلين بعد عرض سبعة من أفلام المسابقة ال20 أنه سيشهد أقوى مسابقة منذ سنوات فى دورته ال60 والدورة العاشرة لمديره ديتر كوسليك. تم عرض فيلمى الصين فى المسابقة، وجاء الفيلم الآخر «امرأة ومسدس ومطعم النودلز» إخراج فنان السينما الصينى العالمى الكبير زانج ييمو تحفة ثالثة فى المهرجان بعد الفيلم الصينى «انفصال، اتصال» إخراج كيوان آن، وأحد الفيلمين الفرنسيين «الكاتب الشبح» إخراج رومان بولانسكى. ولكن بينما نجد فيلم كيوان آن ينتمى إلى السينما الأدبية لاهتمامه بالحوار، ينتمى فيلم ييمو إلى السينما الخالصة حتى إن الحوار لا يتجاوز ألف كلمة فى ساعة ونصف الساعة من التعبير الدرامى الفذ. هنا يعود الفنان الذى وضع السينما الصينية على خريطة السينما فى العالم منذ أول أفلامه «الذرة الحمراء» عام 1988 إلى أفلامه الأولى، خاصة «جودو» عام 1990 من حيث التعبير عن متاهة العلاقات الإنسانية على نحو شكسبيرى، وبأسلوب يستمد عناصره من الثقافة الصينية، فهو سينمائى مائة فى المائة، صينى مائة فى المائة، إنسانى مائة فى المائة. ورغم أن السيناريو مأخوذ عن الفيلم الأمريكى «دماء بسيطة» إخراج الأخوين جويل وإيتان كوين، فإنه لم يفقد صينيته بأى درجة، والمقارنة بينهما مجال خصب للنقد المقارن بين ثقافتين مختلفتين تماماً، خاصة أن العلاقات هى بين الزوجة الشابة والزوج الكهل والشاب العاشق، وهو نفس الثالوث فى عشرات الروايات والأفلام، وتضاف إليهم فى فيلم ييمو شخصية رابعة هى ضابط الشرطة الذى يلعب على الثلاثة معاً. مخرجان لجائزة العمل الأول ومن بين فيلمين فى المسابقة لمخرجين فى أول أفلامهما الطويلة عرض الفيلم الرومانى «إذا أردت أن أصفر، سوف أصفر» إخراج فلورين سيربان، وهو عنوان يذكر بالفيلم المصرى القصير «يوم الاثنين» إخراج تامر السعيد. والأرجح أن يفوز الفيلم الرومانى بجائزة الفيلم الأول التى تحمل اسم ألفريد باور، مؤسس مهرجان برلين. إنه فيلم آخر يؤكد أن السينما الرومانية هى أهم سينما بزغت فى شرق أوروبا بعد سقوط جدار برلين وانهيار النظم الشيوعية، ويؤكد الملامح الخاصة لما يمكن أن نطلق عليه «مدرسة السينما الرومانية الجديدة» من حيث التقشف اللغوى، أو ما وصفته حركة دوجما الدنماركية ب«العفة»، ومن حيث المزج بين الدراما الأرسطية التى تحترم وحدات الزمان والمكان والموضوع، ودراما ما بعد الحداثة التى ترى الإنسان من داخله وفى واقعه فى آن واحد. أغلب الأفلام الرومانية عن مآسى حكم الديكتاتور الشيوعى شاوشيسكو الذى سقط منذ نحو عشرين سنة، ولكن فيلم مسابقة برلين عن الأجيال الجديدة التى لم تعاصر ذلك الحكم، وإنما تعانى فى واقع اليوم من خلال العلاقة بين أخوين أكبرهما فى الثامنة عشرة وأمهما التى تعمل فى إيطاليا. وتدور الأحداث داخل إصلاحية للشباب المنحرف، ولا تخرج منها إلا فى النهاية حيث قرر الشاب أن يصفر، أو أن يشرب القهوة مع فتاة تقوم ببحث عن انحرافات الشباب ولو باختطافها فى عملية «إرهابية». غواصة توماس فينتربرج ومن بين الفيلمين الدنماركيين فى المسابقة عرض «الغواصة» إخراج توماس فينتربرج، وهو من رواد حركة «دوجما» مع لارس فون ترير. ومثل أى حركة فنية ليس المهم أن تكون أفلامها تطبيقاً حرفياً لأفكارها، وإنما أن تحرك المياه الراكدة، وتفجر الرغبة فى التجديد وتدعم القدرة عليه. وفى فيلمه الجديد يجمع فينتربرج بين كونه «دوجما» وبين الواقعية الجديدة الإيطالية والميلودراما ويتأثر بدرجة ما بأسلوب جوس فان سانت فى الفيلم الأمريكى «فيل» من حيث علاقة السرد بالزمن ودمج هذه العلاقة دمجاً عضوياً بين المبنى والمعنى. و«الغواصة»، مثل الفيلم الرومانى، عن أخوين وطفل أحدهما فى واقع اليوم: الكبير محكوم عليه بالسجن والأصغر مدمن مخدرات، والعلاقة بينهما وبين أمهما مدمنة الكحول التى تموت من الإدمان كما يموت ابنها الصغير ويترك طفله لأخيه الكبير. فيلم لعطلة نهاية الأسبوع ومن بين الأفلام الأمريكية الثلاثة عرض فيلمان أولهما «عواء» إخراج روب إبستين وجيفرى فردمان عن محاكمة الشاعر الأمريكى آلان جينسبرج عام 1957 بسبب قصيدته «عواء» حيث اعتبرت من «الشعر الفاضح» الذى يعبر عن «المثلية الجنسية». والفيلم تجربة فنية تجمع بين الروائى والتسجيلى ثم التحريك فى التعبير عن القصيدة. أما الفيلم الآخر «جرندبيرج» إخراج نوح باونباخ فعمل هوليوودى تقليدى لا مكان له فى أى مهرجان، وليس من سبب لاختياره غير أن يعرض مساء الأحد يوم عطلة نهاية الأسبوع. [email protected]