انشغالنا بمشاكلنا المتلتلة لا يجوز أن يأخذنا من متابعة ما يجرى حولنا، خصوصاً إذا كان ما يجرى ليس بعيداً عنا، ثم إنه وثيق الصلة بنا! فبيننا وبين تركيا ساعتان بالطائرة، وهناك أشياء مشتركة كثيرة بين البلدين، ليس أولها أن عدد السكان فى الدولتين واحد، ولا آخرها أن الطموح العام فى العاصمتين، بحكم عوامل عديدة، طموح واحد أيضاً، أو هكذا يجب أن يكون من ناحيتنا نحن على الأقل! والدنيا مقلوبة فى تركيا منذ الإعلان عن استفتاء جرى يوم الأحد الماضى، وجاءت نتيجته لتشير إلى أن 58٪ من الأتراك، قد وافقوا على تعديلات دستورية اقترحها «أردوجان»، رئيس الحكومة، ثم راح يستفتى الشعب عليها. وإذا كانت هناك حصيلة حقيقية للاستفتاء، فهى تتمثل فى ثلاث نقاط على وجه التحديد: الأولى أن الاستفتاء قد أقر مبدأ جديداً، هو أن يتدخل البرلمان، مستقبلاً، فى اختيار الذين سوف يعملون فى المواقع العامة، وسوف يكون هذا التدخل، من خلال لجان البرلمان المختصة، بما يعنى أننا أمام شىء قريب من لجان الاستماع فى الكونجرس الأمريكى، التى يقف أمامها أى مسؤول يرشحه الرئيس لأى منصب رئيسى فى الدولة، فإذا أقرته لجان الاستماع، ووافقت عليه، مررته، وإذا لم توافق كان على الرئيس أن يخضع لقرارها، وأن يرشح رجلاً آخر! والنقطة الثانية المهمة فى تعديلات الدستور التركى، أن أعضاء مجلس القضاء الأعلى، الذى يقترب من حيث مهمته هناك، من المحكمة الدستورية العليا عندنا.. هؤلاء الأعضاء صار للبرلمان أيضاً دور أساسى فى اختيارهم، وفى إقرار ترشيحهم بما يعنى، للمرة الثانية، أن البرلمان الذى يمثِّل الناس فى مجموعهم، أصبح له الدور الأوسع، فى كل ما يتصل بمصالح هؤلاء الناس! أما النقطة الثالثة، والأهم، فهى أن التعديلات قد أنهت تماماً، عصراً بكامله، كان الجيش خلاله يلعب فى الدستور، وأعادت الدستور إلى أهله الحقيقيين، بعيداً عن المؤسسة العسكرية وانقلاباتها المتواصلة عليه، منذ ما يزيد على 30 سنة! ولابد أن هذه النقطة الأخيرة، تجعلنا نتذكر «تعديل الهوانم» الذى كان قد دخل على المادة 77 من دستورنا عام 1980، بما أتاح لرئيس الدولة أن يظل فى منصبه مدى حياته، بدلاً من فترتين رئاسيتين فقط، وهو ما كانت المادة تنص عليه قبل تعديلها.. ولا تعيد تعديلاتهم تذكيرنا بهذا فقط، وإنما تعيد تذكيرنا، من جديد، ب«تعديلات البهوات» التى دخلت على دستورنا عامى 2005 و2007، بما لم يحقق طموح المواطن على أرض بلده. ما حدث هناك يجعل كل واحد فينا يمتلئ بالضيق، ولسان حاله يقول: لماذا لا نكون مثلهم، فلسنا أقل منهم، ولماذا لا نغار على بلدنا بما يكفى؟!