لا أناقش هنا الاقتراح الذى قدمه أستاذنا الكبير محمد حسنين هيكل بتشكيل مجلس أمناء للدولة والدستور ولا ما جاء فى حديث الأمين العام لجامعة الدولة العربية عمرو موسى، عن المشروع الذى يحلم به لتحقيق النهضة، وإنما أكتفى ببعض الملاحظات على العاصفة السياسية التى تسببا فيها. 1- قدم هيكل دليلاً آخر على كذب الاتهام الموجه إليه بأنه كان فى عهد عبدالناصر الصحفى الأوحد. لقربه منه.. وتمييزه له عن زملائه بأسرار ووثائق يحجبها عنهم، وأن هذه الميزة انتهت بمجىء السادات، ثم مبارك، رغم أنه كان قد قدم الدليل تلو الآخر على كفاءاته الشخصية المتعددة، وبأنه صاحب موقف ورأى لم يتلون مثل غيره إرضاءً للحاكم، وقبل أن يدفع ثمناً مقابل احتفاظه بهما تمثل فى سجنه فى سبتمبر عام 1981، بالإضافة إلى حملات التشهير هذه من وقت لآخر، ذلك أن الاهتمام الهائل فى مصر والعالم العربى، وأوروبا وأمريكا بما يكتبه ويقوله، ومنذ أن أُقيل من منصبه فى «الأهرام» فى فبراير عام 1974 ورفضه منصب مستشار الرئيس وحتى الآن يحول الاتهام إلى مسخرة لمُردده، كما أثبتت الناس أنه لا يمكن خداعهم ويحتفظون فى ضمائرهم بالاحترام والتقدير لأصحاب المواقف، وأثبت أنه لايزال الصحفى الأشهر والوحيد فى مصر، والعالم العربى، الذى له هذه المكانة والتأثير وإلا فليذكرنا من يريد - إن كنا قد نسينا - بأسماء أخرى تنافسه. 2- والملاحظة الثانية، خاصة بما طرحه فى حديثه مع زميلنا وصديقنا مجدى الجلاد، رئيس التحرير.. من تشكيل مجلس أمناء الدولة والدستور، ومعارضته تولى جمال مبارك الحكم ولو عن طريق الانتخاب، ونحن لا نُريد إضاعة المساحة فى إعادة سرد أبرز ما طالب به، وإنما نشير إلى أنه سبق له ولآخرين طرح اقتراحات تقترب أو تبتعد عنه، فمنذ سنوات طويلة وهناك مطالب متعددة لأحزاب المعارضة، ولمنظمات المجتمع المدنى، بوضع دستور جديد للبلاد أكثر ديمقراطية، أو إجراء تعديلات مهمة عليه، تقلص السلطات غير المعقولة لرئيس الجمهورية، وتحديد مدة بقائه فى الحكم بفترتين.. وزيادة سلطات مجلس الشعب فى مراقبة السلطة التنفيذية، وسحب الثقة من الحكومة، أو أحد وزرائها دون أن يكون المقابل حله، وسن قانون لمحاكمة الوزراء، والتأكيد على استقلالية القضاء بشكل كامل، واستقالة رئيس الجمهورية من رئاسة الحزب الحاكم، وتحوله إلي حكم بين الأحزاب، وظل النظام يمانع فى تعديل الدستور، ويعتبره خطا أحمر، ثم فجأة عدل بعض الحوار فيه، واعتبر ذلك خطوة نحو ديمقراطية أوسع وبالذات فيما يختص بأن يكون انتخاب رئيس الجمهورية مباشرة ومع منافسين وطبق ذلك فى انتخابات عام 2005. ووعد الرئيس بإجراء تعديلات أخرى، أى أن الدستور ليس مقدساً كما ادعى الذين هاجموا هيكل واتهموه بأنه باقتراحاته يتعدى على الدستور ويريد إحداث تغيير عن غير طريقه. ونشطت أحزاب الناصرى والتجمع والوفد والجبهة الديمقراطية لتشكيل تكتل جديد، يطالب بإصلاحات، وظهر تكتل من «كفاية» و«الغد» و«الكرامة» - تحت التأسيس - والإخوان المسلمين، ومنظمات أخرى لمعارضة ما قالت عنه توريث الحكم لجمال مبارك، وتقديم مرشح منافس لمبارك فى انتخابات الرئاسة المقبلة.. ومنذ مدة يتم طرح عدد من الأسماء وكل هذه التحركات، لم تقلق النظام، بقدر ما أزعجته مطالبات هيكل رغم أنها أخف بكثير مما يطرحه الآخرون وهو إعادة تأكيد لتأثيره الواسع، ولكن الأهم فى رأيى - وقد أكون مخطئاً فيما ذهبت إليه - أن سبب الانزعاج هو الشكوك فى أن هيكل يستهدف أساساً، التأثير غير المباشر، على قوى وأجهزة مؤثرة داخل النظام، لأنه أوكل إليها وإلى الرئيس تنفيذ ما اقترحه، وهذا ما دفع قوى معارضة إلى رفضه.. وذهب البعض منها لاتهامه بالعمل لحساب مبارك، لأنه يضع الحل بين يديه، بينما هو المشكلة - فى رأيهم - وأبدوا دهشتهم من ترشيحه رجل أعمال وهو رشيد محمد رشيد، لرئاسة الوزارة.. ومعه وزير المالية خفيف الظل الدكتور يوسف بطرس غالى، وهذا استنتاج خاطئ، وفى رأيى فإن اقتراحاته نابعة من تفكير رجل دولة حقيقى، يعرف تماماً مراكز القوى المؤثرة داخل النظام، وتوازناتها، ويريدها أن تحدث بنفسها التغيير الذى تطالب به كل القوى المعارضة لأنه لن يتم بواسطتها - على الأقل - فى المدى المنظور، والبديهى الواضح هو فوضى لا يعرف أحد النتيجة التى ستنتهى إليها إن هيكل يقترح على النظام أن يضع لنفسه نهاية آمنة. 3- والملاحظة الثالثة أن هيكل لم يخطف الأضواء فقط من أحزاب وحركات المعارضة.. وأصبح هو محور المعركة مع النظام، وإنما غطى بظله على العمليات الدعائية الواسعة للحزب الوطنى بمناسبة مؤتمره السنوى السادس الذى سيعقد نهاية الشهر الحالى، وحول المجهود الرئيسى للحزب إلى مهاجمته والرد عليه، مما دفع جمال مبارك أن يطالب فى مؤتمر أمانة القاهرة بعدم الانشغال بالمعركة، رغم أنه قبلها بيومين كان قد هاجم هيكل بطريقة غير مباشرة بهجومه على مرحلة الستينيات أثناء زيارته قرية الأميرية، وعلى كل حال، فإن المفاجأة الحقيقية، كانت فى حديث عمرو موسى، الذى جرى مؤخراً، حيث وجه انتقادات غير مباشرة للنظام وأعرب عن أمنياته بحدوث تغييرات واستعداده للانخراط فى مشروع يحقق النهضة للبلاد، وأحدث كلامه ردود أفعال واسعة، لم يحظ بمثلها أى من الشخصيات التى تطوع البعض بطرح أسمائها كمرشحين للرئاسة، والسبب، أن موسى بالذات هو الوحيد من بين كل الأسماء، الذى يتمتع بشعبية كبيرة داخل مصر وفى العالم العربى، وبالتالى فهو يشكل تهديداً حقيقياً فى أى انتخابات فيما لو سمحت شروطها بأن يخوضها، بينما الواقع يقول إنه لن يفعلها، إذ لايزال أمامه عامان فى منصب الأمين العام للجامعة العربية، بينما انتخابات الرئاسة ستجرى خلالهما، بالإضافة إلى العوائق القانونية الموجودة. ولهذا أستبعد تماماً أن يفكر فيها، لكنه بدأ فى طرح نفسه من الآن كجزء من - أو شارك فى - تحرك سياسى مقبل. وتعرض هو الآخر إلى اتهامات عنيفة بأنه ناصرى، وغازل العاهل السعودى الملك عبدالله، وانتهت المساحة، ولايزال لدينا ما نريد قوله.