إذا وهنت السلطة، حلت القوة، وهذا يعنى تفشى الظلم والاستبداد، ويعنى أيضا ترك الشعب وحده يواجه القوة، مما يؤشر لاندلاع الفوضى إن عاجلا أو أجلا، فالسلطة بنيان الدولة وعمودها الفقرى، وقوتها تعنى أن بقية عناصر الدولة «الشعب والأرض» قوية، الأرض محمية، والشعب أمن على يومه وغده. ولست فى حاجة لدليل لتعرف أن السلطة عندنا تحتضر، أو تعيش شيخوخة تامة تجعلها لا تنظر ولا تصدق إلا القائمين على أمنها، إذ رسخ فى وجدانها أن بقاءها مرتهن بقوة ونفوذ أجهزتها الأمنية.. انظر إلى التعيينات فى المواقع المهمة، من معيد فى الجامعة إلى وزير فى الحكومة، فإما أن تأتى عن طريق الأمن أو يكون الأمن راضيا عنك دون اعتبار لكفاءة أو مهنية، واستمرار الحال هكذا ينذر بحدوث كوارث، وإذا لم ترفع اللغم من تحت قدميك سينفجر فيك كما قال «الأستاذ» محمد حسنين هيكل، فى مقدمة حواره مع «المصرى اليوم». الأستاذ قال كلاما مهما وقدم مبادرة للمستقبل، بناء على قراءة واعية ومتأنية للواقع المخيف فى مصر، ووفقا لما يملكه من رؤية استشرافية، لذا قلت للكاتب الصديق مجدى الجلاد ليلة نشر مقدمة «الأستاذ»، بعد أن هنأته على اختيار «الأستاذ» ل«المصرى اليوم» لتكون حاضنة وراعية لمبادرته المهمة، «إن أهم ما فى هذه المبادرة أنها ستفتح كوة فى جدار الصمت»، لكن راح كتاب يبحثون عن وسيلة للرد على ما قاله هيكل بتعجل شديد، ودون قراءة واعية للحوار. فكاتب كبير انتقد من اختارهم «الأستاذ» لمجلس «أمناء الدولة والدستور» باعتبارهم شديدى التباين، وهم فعلا كذلك، و«هيكل» قال عنهم «لاحظ أن هناك فرقاء سياسيين..»، وهذا مهم جدا، فلو كان المجلس «المقترح» من لون سياسى واحد لفقدت الفكرة واحداً من أهم مقومات نجاحها، وما قاله هيكل: «نحن فى حاجة لإعادة بناء الدولة، ووضع دستور» تعاقدى «جديد».. اجتهاد يثاب عليه صاحبه. المشكلة أن القريبين من السلطة لا يرون مبررا لذلك، خذ كلام الدكتور عبدالمنعم سعيد مثالاً: «الواقع لا يوجد فيه ما يشهد على حالة من القلق السياسى تفوق ما كان موجودا فى النصف الثانى من الستينيات»، خاصة بعد نكسة يونيو1967 بين العمال والطلبة، أو خلال النصف الثانى من السبعينيات أو فى العقدين التاليين، وهذا توصيف يمكن أن يكون صحيحا، لكن المبادرة تحاول ألا يحدث ما يستشهد به الدكتور، لأن حدوثه سيفوق بكثير النتائج الماضية، ثم إن العصور الوسطى الأوروبية كانت تتمتع باستقرار كاذب، لأن حالة الركود والخنوع كانت نتاجاً طبيعياً للقهر، ولم تكن أبدا نتاج استقرار سياسى، ولم تكن الحالة «السوداء» واضحة، لا فى «صحف المعارضة، ولا برامج التليفزيون الليلية». اقتراح «هيكل» مهم ويُبنى عليه ويناقش، فالغرض منه نبيل ويعنى إعادة صياغة وطن، ترهلت كل مؤسساته، حتى بتنا فى معزل عن كل ما يقوله ويأخذ به العالم المتحضر، يقولون إن التعليم عندنا شديد التخلف، نرد بأننا نقدم تعليما شديد التطور، إذ لا يوجد سبب واحد يجعل «الإكونوميست» تقول إن الهوة سحيقة بيننا وبين الغرب فى التعليم. يمكن أن نختلف على بعض الأسماء المطروحة، أو نقترح أسماء أخرى.. والمبادرة لا تتجاوز المؤسسات المهمة، ولا تنكر دور الرئيس. كما أن تعديل الدساتير مرتهن دائما برؤى مفكرين وفلاسفة، أو كفاح شعبى. الأزمة فى مصر معقدة، وتقبع بالدرجة الأولى عند مقعد الرئاسة، وبين أوراق دستور مهلهل تجاوزه الزمن، والأهم أن الدعوة للعبور إلى مرحلة جديدة دعوة تقتضيها سُنة الحياة