تحدث معى «راديو القاهرة» فى اليوم المفتوح احتفالاً بالعيد القومى لانتصار أكتوبر، السؤال كالعادة.. هل عبرَّت السينما المصرية عن حرب أكتوبر؟ وإجابتى على غير العادة كانت نعم، عبَّرت فى العديد من الأفلام التسجيلية والروائية الجيدة خلال الأعوام القليلة بعد 1973، ولكن هذا لا يعنى بالطبع عدم إنتاج المزيد من الأفلام بعد مرور السنوات والعقود. وقلت إن الدرس الحقيقى لانتصار أكتوبر لم ينتقل من الحياة العسكرية إلى الحياة المدنية مع الأسف. فالدرس لم يكن الشجاعة، لأن الذين حاربوا فى 1967 كانوا على نفس القدر من الشجاعة، ولم يكن الأسلحة، فقد حاربنا فى 1967 و1973 بنفس الأسلحة التى صُنع أغلبها فى الاتحاد السوفيتى، وإنما الدرس الحقيقى كان فى الإعلاء من شأن العلم والتخطيط والتخصص والدقة والاتقان فى العمل. وفى مقاله الأسبوعى فى «الأهرام» يوم الأربعاء الماضى عبر شاعرنا أحمد عبدالمعطى حجازى ببلاغته المعروفة عن نفس المعنى عندما قال: إننا بعد أكتوبر «خسرنا إيماننا بالعقل وحبنا للحياة»، «خرجنا من العقل إلى النقل، ومن الولاء للوطن إلى الولاء للطائفة، ومن التدين إلى التطرف، ومن التطرف إلى الإرهاب»، «اغتيل فرج فودة، وتعرض للاغتيال نجيب محفوظ، ونفى نصر أبوزيد، وأصبحت الرقابة رقابتين، رقابة المشايخ ورقابة الأفندية، وقُدم العشرات من الكتاب والمفكرين للمحاكمة لأنهم فكروا بحرية، وعبروا بحرية». ولقد فسدت اللغة فى زمن الهزيمة، وتراجع الإنتاج الأدبى، وأطفئت أنوار المسرح، وخضع الفيلم المصرى لثقافة النقاب من هنا كان عنوان أول مقالة أكتبها عن نصر أكتوبر هو «الثقافة أيضًا مدعوة للعبور، فهل عبرت الثقافة»، حجازى على حق، لقد انتصر الجيش المصرى وهُزم المجتمع المصرى، وما أروع شعار الشاعر والمفكر الكبير فى نفس المقال: لا حرية بلا ثقافة ولا ثقافة بلا حرية. وفى المسابقة بين المجلات الأسبوعية للتعبير عن أكتوبر فى ذكرى الانتصار، تفوز مجلة «المصور» بالجائزة الذهبية بجدارة بذلك العدد، الذى لا يملك أى قارئ إلا الاحتفاظ به فى مكتبته، والتحية واجبة إلى رئيس التحرير حمدى رزق، والمجموعة الممتازة من الصحفيين والكتاب والفنانين الذين شاركوا فى العدد، وفى الصفحة الأخيرة منه قصيدة نزار قبانى الفذة عن مصر أكتوبر، والتى يجب أن تدرس فى كل المدارس، ويقول فيها: «تجمع مصر حروف اسمها الجميل، تلصق الميم إلى جانب الصاد، وتلصق الصاد إلى جانب الراء، وفجأة، تتدلى من سقف العالم نجفة من الزمرد الأخضر أسمها مصر». [email protected]