التنسيقية: إقبال كثيف للناخبين في مدرسة سواني جابر بالضبعة ولجان سيدي براني والسلوم بمطروح.. صور    السيسي: ندعم المستثمرين الأجانب ومستعدون لتذليل أية عقبات تواجه أعمالهم في مصر    البنك المركزي: ارتفاع المعدل السنوي للتضخم الأساسي إلى 12.1% بنهاية أكتوبر 2025    بالتفاصيل.. حماس توثق خروقات الاحتلال لاتفاق غزة وتقدم مطالبها    بعد التتويج بالسوبر.. بعثة الأهلي تصل مطار القاهرة وراحة 5 أيام للاعبين    وصول بعثة الأهلى إلى القاهرة بعد التتويج بالسوبر    «درس أرنولد ومعانقة الذهب».. قصة ظهور زيزو الأول ضد الزمالك    تعرف على مدة غياب كورتوا عن ريال مدريد بسبب الإصابة    تأجيل محاكمه 39 متهما بالهيكل الإداري للإخوان إلى جلسة 28 ديسمبر    محافظ المنوفية يتفقد موقع حريق مصنع كيماويات بالسادات ويوجه بتقديم الدعم اللازم    حجز محاكمة متهم بأحداث عنف الألف مسكن للحكم في جلسة 12 يناير    رشت مادة كيميائية على وجهها.. الأمن يكشف ملابسات مشاجرة سيدتين بالشرقية    بعد اعتذار ياسر جلال.. الجدل يشتعل حول حديث أهل الفن في السياسة (تقرير)    «السياحة»: المتحف المصري الكبير يستقبل 12 ألف زائر منذ صباح اليوم حتى الآن    فيلم "عائشة لا تستطيع الطيران" يشارك في المسابقة الرسمية لمهرجان مراكش    السجن 7 سنوات وغرامة مليون جنيه لسارقي الآثار بالشرقية    من اقتحام الكونجرس إلى قطط أوهايو.. كيف انحازت BBC ضد ترامب؟    بتكلفة 2.37 مليار جنيه.. وزير التعليم العالي يتفقد مشروعات جامعة الأقصر    ‌‏محكمة استئناف باريس تفرج عن ساركوزي تحت رقابة قضائية    ثقافة بورسعيد تنظم لقاءات تثقيفية وورشا تفاعلية لدعم ذوي الهمم    سفير مصر بالمغرب يحتفل بتكريم ليلى علوي في مهرجان الرباط الدولي    وزير الثقافة يزور متحف الفن الإسلامي بالدوحة    وزارة الصحة توفر الرعاية الطبية للناخبين أمام لجان الاقتراع فى الأقصر وأسوان    العرجاوي: إعفاء الصادرات المصرية من الجمارك الصينية خطوة استراتيجية لتعزيز الشراكة بين القاهرة وبكين    «غير مستقرة».. آخر تطورات الحالة الصحية ل محمد صبحي بعد نقله للعناية المركزة    لقاء الشرع بأشد الداعمين للكيان الإسرائيلي في واشنطن يثير الجدل، والنشطاء: بداية تنفيذ مطالب أمريكا    كشف هوية الصياد الغريق في حادث مركب بورسعيد    سحب 837 رخصة لعدم تركيب الملصق الإلكترونى خلال 24 ساعة    سعر الذهب اليوم فى مصر يسجل 5420 جنيها للجرام عيار 21    انطلاق برنامج «مشواري» لتنمية مهارات الشباب في الشرقية    مصدر من اتحاد اليد ل في الجول: تأجيل السوبر المصري في الإمارات    «تطوير التعليم» يطلق مبادرة «شتاء رقمي» لمضاعفة فرص الحصول على الرخص الدولية لطلاب المدارس    بعد 40 يوما.. تصويت حاسم بمجلس الشيوخ الأمريكي لإنهاء أطول إغلاق حكومي (تقرير)    البنك المركزي المصري يطرح عطاء أذون خزانة بقيمة 1.5 مليار دولار    بث فيديو الاحتفال بالعيد القومي وذكرى المعركة الجوية بالمنصورة في جميع مدارس الدقهلية    من المتحف الكبير لمعرض فى روما.. كنوز الفراعنة تهيمن على العالم    المفتي: الشائعة زلزال يهز الثقة وواجبنا بناء وعي راسخ يحصن المجتمع من الاضطراب    بعد 3 ساعات.. أهالي الشلاتين أمام اللجان للإدلاء بأصواتهم    وزير الصحة يلتقي وزيرة الشؤون المدنية في البوسنة والهرسك    تأجيل محاكمة المتهمين بقتل أحمد المسلماني تاجر الذهب بالبحيرة لتعذر حضورهما    عشرات المستوطنين يقتحمون المسجد الأقصى وينفذون جولات استفزازية    ماذا يحتاج منتخب مصر للناشئين للتأهل إلى الدور القادم من كأس العالم    وزير النقل التركي: نعمل على استعادة وتشغيل خطوط النقل الرورو بين مصر وتركيا    الرعاية الصحية: لدينا فرصة للاستفادة من 11 مليون وافد في توسيع التأمين الطبي الخاص    وزارة الصحة: تدريبات لتعزيز خدمات برنامج الشباك الواحد لمرضى الإدمان والفيروسات    تنوع الإقبال بين لجان الهرم والعمرانية والطالبية.. والسيدات يتصدرن المشهد الانتخابي    مشاركة نسائية ب«لجان 6 أكتوبر» مع انطلاق انتخابات مجلس النواب 2025    وزير الزراعة: بدء الموسم الشتوى وإجراءات مشددة لوصول الأسمدة لمستحقيها    جامعة قناة السويس تحصد 3 برونزيات في رفع الأثقال بمسابقة التضامن الإسلامي بالرياض    تعزيز الشراكة الاستراتيجية تتصدر المباحثات المصرية الروسية اليوم بالقاهرة    رئيس الوزراء يدلي بصوته في انتخابات مجلس النواب 2025 بالمدرسة اليابانية بالجيزة    اتصال هاتفي بين وزير الخارجية ونظيره المالي    انطلاق أعمال التصويت في انتخابات مجلس النواب 2025 بالمهندسين    د.حماد عبدالله يكتب: " الأصدقاء " نعمة الله !!    «الصحة»: التحول الرقمي محور النسخة الثالثة من المؤتمر العالمي للسكان    هل يجوز أن تكتب الأم ذهبها كله لابنتها؟.. عضو مركز الأزهر تجيب    خالد الجندي: الاستخارة ليست منامًا ولا 3 أيام فقط بل تيسير أو صرف من الله    تعرف على مواقيت الصلاة بمطروح اليوم وأذكار الصباح    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الكتابة من أجل البقاء
نشر في المصري اليوم يوم 10 - 10 - 2009

لم يترك محمود عوض بعد رحيله زوجة أو أبناء، لأنه ببساطة لم يتزوج أبداً، أو بمعنى آخر لم يسمح لشىء غير الكتابة أن يحتل مكان الأولوية فى حياته.. بها انشغل، وبها عاش، وبها أيضاً جاءت وفاته الصادمة للكثيرين. غير أنه لم يشأ أن يرحل هكذا دون أثر وراءه، إن لم تكن الزوجة والأبناء فلتكن معشوقته الوحيدة.. الكتابة، وما تخلف عنها من كتب.
وعلى رفوف المكتبة العربية عدد من الكتب تحمل توقيع عوض.. بدأها بكتابه الشهير «أم كلثوم التى لا يعرفها أحد»، جاء الكتاب ليجسد حالة من التواصل الفريد بين صحفى وواحدة من عمالقة الموسيقى والغناء فى العالم العربى، علاقة بدأت بتولى عوض مسؤولية الصفحة الأخيرة فى جريدة «أخبار اليوم»، وهى الصفحة التى كانت تهتم بإبراز أخبار الفنانين، وأم كلثوم على رأسهم.
وللتعرف على أم كلثوم حكاية رواها هو بنفسه فيما بعد، قال إنه حاول فى البداية أن يجرى معها حواراً عبر التليفون، وبعد عدة مكالمات ظفر أخيراً بالحوار المنشود، وقبل أن ينشره سأله إحسان عبدالقدوس، رئيس تحرير «أخبار اليوم» فى ذلك الوقت: «هل أطلعت أم كلثوم على الحوار قبل نشره؟»، فردّ على الفور: «منذ متى نسمح لأحد بالتدخل فى عملنا؟»، غير أن إحسان عاجله بسرعة: «إنها ليست أى أحد، إنها أم كلثوم».
وافق عوض على عرض الحوار على أم كلثوم، وعندما زارها فى منزلها أبدت اعتراضاً على جملة يفتتح بها مقدمة حواره معها، فغضب وسألها: «من منا يفهم فى الغناء أكثر.. أنا أم أنت؟»، ردت أم كلثوم: «أنا طبعاً»، فقال بسرعة: «إذن فالكتابة هى عملى، وأنا أفهمه جيداً، ولن أغير المقدمة». تجاوزت أم كلثوم الموقف، ونشر الحوار بالطريقة التى كتبه بها عوض، ولم يكد الحوار ينشر حتى فاجأته أم كلثوم باتصال هاتفى تخبره فيه أن سعيد فريحة صاحب دار نشر «الصياد» معجب بالحوار، ويطلب نشره فى إحدى مطبوعاته، غير أنها أبلغته أن صاحب الحق الوحيد فى الموافقة هو محمود عوض، لأنه صاحب الحوار، وليست هى.
فهم عوض بالطبع الغرض من المكالمة، وهو أن أم كلثوم تسترضيه، وتحاول أن تعتذر عن موقفها الأول بطريقة «شيك»، وحتى عندما منح كتابه عنها عنوان «أم كلثوم التى لا يعرفها أحد»، وبلغه غضب بعض أقاربها من العنوان، جاء رضاها هى، كنوع من إعلان الاعتراف بكاتب متميز، حتى إن اختلف معه الآخرون.
وعلى نفس المنوال جاء كتابه الثانى عن الموسيقار محمد عبدالوهاب، بعنوان «عبدالوهاب الذى لا يعرفه أحد»، وهو الكتاب الذى نجح للدرجة التى دفعت موسيقاراً بحجم الراحل فريد الأطرش لأن يرسل لعوض شيكاً على بياض، نظير تأليفه كتاباً مماثلاً عنه، غير أن عوض رفض العرض بأدب، فالحكاية ليست حكاية نقود، بقدر ما هى حكاية توافق نفسى، وتآلف روحى.
نفس السبب الذى من أجله قام بكتابة المسلسل الإذاعى «أرجوك لا تفهمنى بسرعة» لصديقه الفنان عبدالحليم حافظ فى تجربته الوحيدة للإذاعة، وهو المسلسل الذى شاركه البطولة فيه كل من عادل إمام ونجلاء فتحي، وأذيع للمرة الأولى فى رمضان 1973، وربما لهذا السبب لم تستمر إذاعة المسلسل الذى توقف بسبب قيام حرب أكتوبر فى نفس العام.
ورغم نجاحه فى ذلك المجال، فإن عوض لم يشأ أن يستمر طويلاً فى مجال الكتابة الفنية، لذلك فقد وضع كتابه السياسى الأول «أفكار ضد الرصاص»، يعرض فيه سير عدد من الكتاب والمفكرين الذين أثروا الحياة الفكرية فى العالم العربى بأفكارهم ومبادئهم. ورغم براعته فى هذا اللون من الكتابة، إلا أن القدر كان يخبئ له مفاجأة قدر لها أن ترسم له مستقبلاً مختلفاً فى الكتابة السياسية، إذ وقعت هزيمة 67، وقلبت بوقوعها كل الموازين، وراح أحد قادة إسرائيل المتغطرسين يصف العرب بأنهم «أمة لا تقرأ، وإذا قرأت لا تفهم».
بدا وكأن التحدى موجه لمحمود عوض نفسه، لأنه أخذ على عاتقه فيما تلا ذلك من أعوام توصيل رسالة واضحة إلى هذا المتغطرس.. رسالة مؤداها أن «العرب يقرأون ويفهمون»، ولمزيد من توضيح الرسالة راح عوض يضع سلسلة من الكتب عن إسرائيل تحت شعار «اعرف لغة عدوك»، بدأها بكتابه الأول فى هذا المجال، الذى حمل عنوان «ممنوع من التداول»، ثم أتبعها بسلسلة كتب «أفكار إسرائيلية»، و«الحرب الرابعة سرى جداً»، و«بالعربى الجريح»، و«عليكم السلام».
ولم يكتف محمود بالكتابة فقط، ولكنه راح يقدم برنامجاً يومياً مدته 10 دقائق فى الإذاعة المصرية بعنوان «إسرائيل من الداخل»، يشرّح فيه العقلية الإسرائيلية بمهارة فائقة، وهو البرنامج الذى توقف بعد ذلك بسبب رواية ترددت مؤداها أن رئيس وزراء إسرائيل الأسبق مناحم بيجين طلب من الرئيس السادات مد خط من مياه النيل إلى إسرائيل فى إطار مفاوضات السلام التى دارت نهايات السبعينيات من القرن الماضي، الأمر الذى أثار عوض، ودفعه إلى مهاجمة بيجين عبر برنامجه بقوله: «دى وقاحة يا سيد بيجين»، وهو الهجوم الذى تسبب فى وقف البرنامج كما قيل وقتها.
على أن أصعب منع واجهه محمود عوض لم يكن من الإذاعة، وإنما من الكتابة، ليس فقط لأنها كل حياة عوض، ولكن لأن المنع قُصد به إقصاؤه عن بيته، الشهير بدار «أخبار اليوم». وللمنع قصة رواها عوض بنفسه قائلاً إنه فوجئ بقرار المنع صادر عن موسى صبرى، رئيس مجلس إدارة ورئيس تحرير «الأخبار» فى أواخر السبعينيات، بسبب سفره إلى أمريكا مكلفاً من الجامعة العربية.
ورغم أنه كان قد أطلع رئيسه المباشر موسى صبرى على تكليف السفر ونتائجه، فإنه فوجئ عقب عودته من أمريكا بخطاب من موسى صبرى يقول فيه: «اكتشفت أنك فى أمريكا فى مهمة خاصة للجامعة العربية، وسأتخذ ضدك الإجراءات القانونية».
جاء قرار المنع من الكتابة شفاهة، وكان موسى صبرى على حد تعبير عوض يعتمد على أنه لن يستطيع إثبات قرار منعه من الكتابة، لكنه فوجئ كما يروى عوض بأنه قام برفع دعوى قضائية يطلب فيها العودة لعمله مستعينا ب 12 شاهداً من أكبر الكتاب، منهم جلال الدين الحمامصي، وكامل زهيرى، وأحمد بهاء الدين، ويوسف إدريس، وصلاح حافظ، ومصطفى بهجت بدوى، وأحمد بهجت.
انتصرت المحكمة لعوض وحكمت له بمبلغ 31 ألف جنيه على سبيل التعويض، واستأنف صبرى الحكم، وكان يذهب للترافع بنفسه على اعتبار أنه عضو بنقابة المحامين، ولكن الاستئناف رفع مبلغ التعويض إلى 32 ألف جنيه مما دفع مصطفى أمين إلى أن يطلق نكتة يعلق بها على النتيجة النهائية قائلاً: «موسى ترافع مرتين فى حياته، الأولى مع خميس والبقرى وجاب لهم حكم بالإعدام، والتانية مع محمود عوض وجاب له تعويض».


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.