يعنى إيه ضابط؟!! ما الذى يتميز به الضابط عن المواطن العادى ؟ وماهى فائدة الشرطة بالنسبة لنا، إن لم تكن فى خدمة الشعب؟ دائما أجد نفسى محاصرا بهذه الأسئلة كلما شاهدت كمين شرطة يجلس فيه الضباط على الرصيف تاركين أقماعهم البرتقالية تخنق الطريق غير عابئين بالأزمة المرورية التى يسببونها مثل الكمين الثابت فى مدخل القاهرة الشمالى بمنطقة كوبرى المظلات ومناطق أخرى كثيرة. وتهاجمنى تلك التساؤلات أيضا كلما رأيت ضباطا مفزوعين يفتحون الطريق لموكب السيد مدير الأمن، وكلما شاهدت ضابطا فى لجنة مرور يتعامل مع المواطنين وكأنهم مجرمون حتى يثبت العكس.. وكأن الضابط لو تحلى بالهدوء والابتسام سيفقد السيطرة على المواطنين، وكأن الاحترام لايأتى إلا بالمعاملة السيئة. ولكن هذة الأسئلة لم تفارقنى منذ مساء الأحد الماضى، حينما خرجت من منزلى فى مدينة نصر، لأجد نفسى كالفأر فى مصيدة شوارعها ساعة كاملة، حيث انسدت كل التقاطعات بين شارعى عباس العقاد ومكرم عبيد مع طرق النصر ومصطفى النحاس وذاكر حسين، وقد فقد رجال المرور السيطرة تماما على الوضع وتركوا المواطنين كلا حسب شطارته.. وحينما وصلت لحى الزمالك بعد مايقرب من ساعتين معظمها فى شوارع مدينة نصر، بدأت رحلة البحث عن موقع لركن سيارتى، ولأننى من القلائل الباقين الذين لايزالون يلتزمون بقواعد المرور فى القاهرة، بحثت طويلا حتى وجدت مكانا على الرصيف الملاصق لسور نادى الجزيرة الرياضى أمام نقطة شرطة الجزيرة، حيث خرجت سيارة من بين سيارتين ملاكى فاخرتين هناك، وكانت نقطة شرطة الجزيرة قد استخدمت الأقماع البرتقالية لمنع الوقوف على الرصيف المحيط بها.. وبعد أن فرغت من ركن السيارة، وخرجت منها مسرعا للحاق بموعدى، اقترب لى شاب صغير السن يرتدى ملابس الشرطة بدون رتب ويحمل بندقية، وكنت قد لمحته واقفا يدخن سيجاره خلسة أثناء حراسته للنقطة من الخارج، وقال لى بتعال شديد: ياأستاذ إنت.. ممنوع الركنه هنا!! فقلت له متعجبا أننى أقف بين سيارات ملاكى أخرى ولاتوجد لافتة تفيد بمنع الوقوف، فلماذا تمنع ماهو متاح قانونا.. فأجاب بتعال أكبر: ده مكان الضباط!! فقلت له إن القانون لم يحدد مكانا لركن الضباط وآخر لركن المدنيين، وهممت بمواصلة السير للحاق بموعدى الذى تأخرت عنه كثيرا، ففوجئت به يحاول أن يسد على طريقى بالبندقية مهددا: قلت لك ماتقفش هنا وإلا تيجى معايا للمأمور.. فرددت، جرى إيه يابنى.. ماتقبض عليا أحسن.. إبعد عن طريقى لو سمحت.. وقبل أن أتحرك فوجئت بشاب يرتدى ملابس مدنية يخرج من »بوكس« شرطة أزرق يقف على بعد أمتار قليلة.. ويلوح بيده نحوى قائلا: جرى إيه ياأخ انت، ماقالك مافيش ركنة هنا.. فقلت له.. ومين سيادتك.. فرد بطريقة استهزاء: أنا أحمد على ضابط المباحث.. ولا أظن أن هذا الاسم حقيقى.. فتجاوزت عن طريقته فى الكلام، وعرفته بنفسى، وأعدت نفس الأسانيد القانونية التى سردتها لفرد الشرطة، فهو ضابط ومفترض أنه يفهم فى القانون.. فقال لى مهددا: هاتمشى يعنى هاتمشى، ولو عاوز تسيبها انت حر!! الحقيقة فكرت فى 3 حلول لهذا الموقف.. الأول أن أتوجه للمأمور وأحدثه، ولكن الواضح أن مايحدث بتعليمات صادرة منه حيث إن الضابط وفرد الحراسة اتفقا فى منهج الحديث.. والأمر الثانى أن أتصل بالنجدة لتحرير محضر ضدهما، ولكننى وجدت الأمر مثاليا وساذجا أكثر مما يجب، فلا يمكن أن تقف شرطة النجدة معى ضد الضابط والشرطى خاصة أننا أمام نقطة الشرطة.. أما الأمر الثالث فهو أن أترك السيارة لنرى إلى أين ينتهى هذا العبث خاصة أن الموعد الذى كنت بصدده قد أوشك على الانتهاء حيث اقتربت الساعة من الثامنة والنصف مساء وكان موعدى قبل ذلك بساعة.. ولكننى قررت أن أغادر المكان بالسيارة لأننى كنت سأتركها لزوجتى كى تستقلها وحدها من هناك، ولم أشأ أن أعرضها لموقف مع هذه النوعية من رجال الشرطة- ضباطا وأفرادا- الذين لايحترمون القانون ولايحترمون المواطنين. المهم أن هذه الواقعة التى حدثت معى شخصيا جاءت امتدادا عمليا لما كتبته هنا الأسبوع الماضى تحت عنوان »القانون لايحمى المواطنين«.. ووجدتها فرصة مناسبة لتوصيل الرسالة بشكل أكثر عملية، وهى ليست قضية شخصية.. فأنا كمواطن أدفع ضرائب ضخمة لتقدم لى الدولة خدمات منها الأمن، ولكنها تقتطع هذه الضرائب لتشترى بها بندقية يحملها فرد شرطة كى يعمل »سايس« للباشوات من ضباط الشرطة ولحراسة أماكن انتظار سياراتهم.. بدلا من أن تحمى أمنى كمواطن وتحافظ على حقوقى.. ولاأريد هنا أن أخلط الأمور، فمن بين ضباط الشرطة رجال أكفاء نحترمهم ونقدرهم، وبعضهم استشهد من أجل الواجب وآخرهم اللواء إبراهيم عبدالمعبود فى السويس.. ولكن للأسف تسىء تجاوزات البعض للكل. لا يجب أبدا الوقوف مكتوفى الأيدى أمام تلك الظواهر وغض البصر عنها، فالأمن حق لنا، وليس منحة تقدمها لنا الحكومة أو وزارة الداخلية أو أى جهة أخرى.. وكلما شعر المواطنون بغياب الأمن وعدم قدرة القانون على رد الحقوق يتلاشى مفهوم الدولة ونتحول تدريجيا إلى غابة.. والمفترض أن رجل الشرطة هو المخول بتطبيق القانون والحفاظ على الأمن، فكيف يمكن أن يكون هو من يخالفه؟. مرة أخرى.. أريد رد وزير الداخلية على هذه الأسئلة المحورية.. يعنى إيه ضابط ؟ وما الذى يميز الضابط عن المواطن؟ وما هى الحدود بين الضابط والمواطن؟ وهل يمكن تحقيق الأمن لمجتمع يرى بعض ضباطه أنهم فوق القانون وأفضل من المواطنين؟ [email protected]