العنوان مثل صعيدى.. معناه أن الكلام ليس عليه جمارك.. الكلام مجانى والذى يلتزم به هو من يصدقه فقط.. تذكرت هذا المثل وأنا أرى على شاشة التليفزيون قصة رجل هندى عبقرى ابتكر فكرة تخدم أهل بلاده من الفلاحين.. الفلاحون الهنود يعانون مشكلة فى رى الأراضى الزراعية بسبب الانقطاع المتكرر للتيار الكهربائى.. ما هو الحل؟! فكرة عبقرية وبسيطة جداً فى نفس الوقت.. المهندس الهندى استطاع تطوير إمكانات الموبايل لاستخدامه فى التحكم فى فتح وإغلاق رشاشات الرى وفى درجة التدفق.. شغل مخه وقام بعمل مجموعة توصيلات وميكانيزم شبه بدائى وغير مكلف تقريباً.. بهذا الاختراع أو الابتكار يستطيع الفلاح الهندى أن يروى أرضه فى أى وقت يشاء وبأى كمية يريد حتى إن انقطع التيار الكهربائى.. تأملت القصة وأنا استرجع أحد تعبيراتنا الشعبية الخالدة التى تستنكر كلام من يكلمك فتقول له.. انته فاكرنى هندى؟.. يا ريت على رأي الدكتور فاروق الباز نصبح مثل الهنود ونبطل تريقة ونقورة ونفخة كذابة.. ونبطل حكاية حنك الخواجة عندنا عندما ندعى أن لدينا براءات اختراع وابتكارات جبارة محبوسة فى أدراج أكاديمية البحث العلمى أو المركز القومى للبحوث.. أين يقع الخطأ؟.. فى الناس أم فى الأجهزة؟.. لا أنسى أبداً ذلك الشاب العصامى الشرقاوى الذى اخترع جهازا لتنقية مياه الصرف الزراعى بالليزر ولا أنسى نظرة السخرية التى كانت على وجه مسؤول أكاديمية البحث العلمى وهو يستمع إليه باستخفاف عظيم.. كم ضحية مثل هذا الشاب المخترع والمبتكر ضاعت فى مصر.. عشرات الآلاف بالطبع.. محبطون ومخطوفون من مراكز بحثية فى أمريكا وفى إسرائيل أيضاً سمعنا كلاماً كثيراً من قبل حول استراتيجية البحث العلمى وتشجيع الشباب المصرى على الاختراع والابتكار ومساعدته فى تطبيق أبحاثه بل وتسويقها وربطها بسوق الإنتاج والصناعة.. وكله كلام على طريقة الحنك خواجة.. كثير من الشباب المصرى لم يقرأ كتاب إدوار بونو حول التفكير الإبداعى والابتكارى والتفكير خارج الصندوق ووضع حلول لمشاكل تقليدية مزمنة.. ولكنهم بالفطرة، بالسليقة موهوبون وعندهم أفكار مدهشة تحتاج إلى حضانة علمية.. مرة أخرى أقول حضانة علمية ترعاهم.. ولا يكفى أن تقوم بذلك جمعية أهلية مستقلة.. إنه مشروع أمة تؤمن بما قاله العقاد.. التفكير فريضة وتؤمن بالآية الكريمة التى تحتفى بالعلماء عندما تقول «إنما يخشى الله من عباده العلماء».. ولم يقل إنما يخشى الله من عباده الفقهاء أو المشايخ أو الأئمة. إنها دعوة صريحة للعلم والتفكير العلمى المنهجى والإبداع.. لأن العلماء هم أكثر من يكتشفون عظمة الله فى الكون وعبقرية العطاء لهم فيه.. فيها أيها المدرسون فى المدارس ويا أيها الدكاترة فى الجامعات.. حرروا عقول أبنائنا وشجعوهم على الابتكار والاختراع لعل ذلك يحدث انقلابا فى دماغ الحكومة فتؤمن بأن العلم هو طريق التحديث والتقدم وأن الحنك خواجة. [email protected]