«المدارس تعكس صورة المجتمع.. هى اللى بتورى صورة الحاضر وصورة المستقبل، صورة فاسدة ومشوهة لمجتمع عشوائى». بهذه الكلمات البسيطة بدأت الدكتورة هناء وهبة فى سرد عدة تجارب تؤكد انهيار منظومة التربية والتعليم فى المجتمع المصرى، وتحول المؤسسات التعليمية إلى مشاريع استثمارية لا تهتم بتنمية العقول بقدر ما تهتم بجمع الأموال، ومن ثم انهيار العديد من القيم الاجتماعية بسبب التفكك الأسرى أو صعود طبقات اجتماعية جديدة وانحسار أخرى، وشيوع العادات والتقاليد وأنماط السلوك التى تهدد مستقبل الأجيال الجديدة وتجعله فى مهب الريح. فى كتابها الصادر مؤخرا تحت عنوان: «لا تربية ولا تعليم» تضع الدكتورة هناء وهبة خبراتها العملية والتجارب التى عاصرتها على مدى ربع قرن من العمل فى مجال التعليم، من خلال 7 حكايات لأشخاص بأسماء رمزية إلا أنهم يشكلون نماذج لشريحة كبيرة ممن يعملون أو يدرسون فى المدارس الخاصة واللغات وحتى المدارس الحكومية، ومن ضمن هذه الحكايات حكاية سارة الطالبة التى تشربت أساليب الغش والخداع تحت مسمى «الجدعنة والفهلوة» ونجحت فى كسب ثقة المدرسين والطلبة على السواء وأصبحت مستودعا لأسرارهم، وبدأت تبحث عن وسائل للتفوق الدراسى دون مذاكرة وابتكرت أساليب جديدة للغش وحين تم ضبطها نجح والدها الثرى فى التأثير على المدرسة بأمواله ونفوذه ليحمى ابنته، ويجعلها تكمل حياتها بالطريقة التى ترتضيها دون تدخل منه أو بذل جهد فى تربيتها أو تعليمها الصواب من الخطأ، بل كان يشعر بالفخر لأن ابنته تستطيع أن تتعامل مع الحياة بمنطق الشطارة والفهلوة، وتتقن لغة السوق التى يجيدها الأب. ومن الحكايات التى يضمها الكتاب حكاية حبيبة، طالبة الابتدائى، التى وقعت فريسة لأحد المدرسين الشواذ، بعد أن تركتها والدتها وسافرت للعمل فى أمريكا وانشغل والدها، الطبيب النفسى الشهير، فى عمله، فتخلفت عن الذهاب إلى المدرسة وانشغلت فى عمل «الشوبنج» بداع ودون داع، وانهمكت فى السهر أمام الكمبيوتر والتليفزيون، ووالدها يوفر لها كل ما تطلبه ويعتبر أن هذا هو دوره ويتركها للمربية والسفرجى والسائق ليمثلوا فى البداية كل حياتها وأسرتها إلى أن تكتشف أنهم مجرد خدم يمكن السيطرة عليهم بالأموال، تفشل حبيبة فى دراستها، إلا أنها تتفوق عندما يبدأ الأستاذ سمير فى إعطائها الدروس وممارسة الألعاب الجنسية الشاذة معها، مستغلاً براءتها وعدم فهمها، بل ويحرضها على سرقة الأموال من والدها وإعطائها له، ولولا حادث طارئ وقع بالمصادفة لما اكتشف أحد تلك العلاقة التى ألقت بظلالها على حبيبة فى باقى مراحل حياتها. يتضمن الكتاب أيضاً حكاية بسمة، الشابة المرحة المؤدبة المتميزة التى تعمل فى إحدى المدارس الخاصة وتتفتح أمامها عوالم لم تكن على دراية بها، وتقع فى قصة حب مع طالب بالمدرسة التى تعمل بها، وتترك نفسها للمساته ومداعباته، مستمتعة بتلك العلاقة فى السر، إلا أنها فى النهاية تتزوج ابن عمها، المهندس رامى. ويضم الكتاب ثلاث حكايات عن أصحاب المدارس ومديريها توضح التفاوت بين النماذج التى تدخل هذا المجال ومنها حكاية الأستاذ ماهر بباوى الذى يبنى مدرسته على الكذب والخداع ورشوة التلاميذ بالوجبات والحفلات والرحلات على حساب مساحة التعليم التى يتلقونها، فيرفض أن يزود مكتبة المدرسة بكتب جديدة وفى المقابل يصرف آلاف الجنيهات على رحلة للطلبة فى أحد الفنادق الكبرى، وهناك نموذج آخر لصاحب مدرسة جاء حديثاً من السعودية بعد أن كون ثروة وقرر أن يستثمرها فى بناء مدرسة جديدة، ويتركها بعد ذلك للعمال الذين يروجون فيها الشائعات ويعيشون على ذلك، ويطلق زوجته التى ساعدته فى هذه المدرسة ليتزوج من الفتاة التى تروج الحكايات وتنقل القصص، انطلاقاً من عملها كمشرفة على الباص، وفى مقابل ذلك يأتى نموذج «مسيو بييه»، مدير المدرسة الفرنسية الذى يحولها إلى مدينة فاضلة ويشيع فيها الهدوء والالتزام وروح التعاون والمحبة ونشر العلم والمعرفة، ويواجه المشاكل مباشرة ويحلها بهدوء ويرفض أن يدفن رأسه فى الرمال، إلا أن المدرسة التى كانت تعانى من العشوائية قبل مجيئه، وأصبحت نموذجية ومثالية أثناء توليه إدارتها، تحولت بعد رحيله إلى نموذج آخر ينافس باقى المدارس المصرية فى عشوائيتها. القصة الأخيرة كانت لحاتم الشاذلى، أحد الطلبة، الذين عانوا من نظام تعليمى سيئ وتعرف على البلطجة والنصب والمخدرات فى المدرسة ليتخرج بعد ذلك إنساناً بلا قلب يدخل دنيا الأعمال وينجح فيها بخبراته المشوهة. جميع القصص متخيلة أو ربما كانت واقعية تماما وحدثت بالفعل إلا أن المؤلفة اختارت أسماء مستعارة للشخصيات والمدارس التى تحدثت عنها لترصد التغيرات والتشوهات التى يعانى منها مجال التربية والتعليم فى مصر لتخلص إلى نتيجة واضحة مفادها أنه «لا تربية ولا تعليم» دون أن تقول ذلك صراحة وإنما تترك الشخصيات والحكايات تعبر عن ذلك بالأحداث والتصرفات التى تبدو عادية جداً، وقابلة للحدوث والتكرار بشكل دائم فى المجتمع المصرى، خاصة الطبقة المخملية، إلا أنها تحمل دلالات فى غاية الخطورة.