يحتل الدين مكانة بارزة فى منطقة الشرق الأوسط أيا كانت عقيدة الفرد، وكان من البديهى أن يثير احتفال «اليونسكو» باليوم العالمى لحرية الصحافة مسألة الحدود الفاصلة بين حرية الرأى التى تسمح بانتقاد الأديان وبين الإساءة للبشر كما حدث على سبيل المثال فى واقعة الرسوم الكاريكاتيرية الدنماركية، لكن ما لم يكن طبيعيا هو استضافة قطر - بغض النظر عن الجهة التى كانت توجه الدعوات وهى مكتب اليونسكو فى باريس - للصحفى الدنماركى فلمنج روس ناشر الرسوم المسيئة فى صحيفة «يولاندز بوسطن». وكانت نتيجة تلك الاستضافة جدلا حادا فى الصحافة القطرية، خاصة بعد الغضب الكبير الذى دفع بملايين المسلمين إلى الخروج فى مظاهرات احتجاج تحولت فى بعض المناطق إلى أعمال عنف. وذكرت الصحف القطرية أن فلمنج روس الدنماركى، أوكرانى الأصل، يرتبط بعلاقات عمل وثيقة بإسرائيل، وتحديدا حزب «الليكود» اليمينى بزعامة بنيامين نتنياهو. وفى عام 2005 تم تعيينه مسؤولا عن الصفحة الثقافية فى «يولاندز بوسطن»، وعرف بعدائه للمهاجرين وتأكيده أنه «على الغرباء إدراك حقيقة أنهم إذا أرادوا الانتقال إلى عالمنا، فعليهم أن يحترموا قوانيننا ويقبلوا بها». وبدا، خلال حضوره جلسة بعنوان «دور الصحافة فى دعم الحوار بين الأديان والفهم المشترك»، ليدافع عن نشر تلك الرسوم، مبررا أن الرسام لم يكن يقصد إهانة الرسول (صلى الله عليه وسلم) ولكنه أراد القول بأن بعض الناس يستغلون الدين كغطاء للتطرف، ورفض أى محاولات لتوضيح الخط الفاصل بين ممارسة حرية الإعلام، وبين الإساءة للآخرين، وهى الفكرة التى شدد عليها جمال عيد، المدير التنفيذى للشبكة العربية لمعلومات حقوق الإنسان، الذى حضر نفس الجلسة وقال إن على الصحفى أو الإعلامى التفريق بين الحرية والإساءة، فالحرية تنتهى عندما تبدأ حرية الآخرين ولا يجب التعلل بحرية التعبير لتبرير الإساءة للملايين. كما رفض فى الوقت نفسه تحول الاحتجاجات إلى عنف ولجوء بعض المتظاهرين الغاضبين إلى إشعال النار فى السفارات وتدمير المنشآت. وخلال نفس الجلسة أعلن روبير مينار، الأمين العام لمركز الدوحة لحرية الإعلام، أن حوار الأديان وحرية الاعتقاد هى الموضوع الأساسى فى كثير من المؤتمرات التى تعقد حاليا لأن هناك مشكلة حقيقية فى التفاهم والحوار بين معتنقى الأديان المختلفة، معترفا بأهمية احترام جميع المعتقدات وألا تقوم الصحافة بتعزيز الكراهية. وشدد مينار على أن الرسوم التى تم نشرها فى الدنمارك كانت فى إطار ما يسمح به القانون ولذا لا تجب «المطالبة بوقف نشر أشياء يسمح بها القانون الدنماركى». وكان هذا الموقف هو ما أثار موجة هجوم على مينار، تأتى على خلفية خلافه الداخلى مع منار الخاطر، التى كانت نائب الأمين العام للمركز، قبل أن يقيلها، فاختلط الخلاف مع روبير حول موقفه من الرسوم بالخلاف الداخلى حول سياسة العمل فى مركز الدوحة.