ذكرت وكالة الأسوشيتدبرس الأسبوع الماضى أنها حصلت على تقرير سرى للوكالة الدولية للطاقة الذرية يفيد بعثور مفتشى الوكالة على آثار يورانيوم عالى التخصيب فى مصر، مما يصلح للاستخدام فى تصنيع سلاح نووى. وأضافت الوكالة أن اليورانيوم المخصب قد عثر عليه فى أنشاص عام 2007. هذا وقد ثارت تساؤلات بشأن تسريب هذا الخبر الآن خاصة أن الحكومة المصرية نفت وقتها المسألة برمتها وأرجعت آثار اليورانيوم إلى وجود حاويات تحمل نظائر مشعة كانت قد وصلت البلاد للأغراض العلمية والطبية. وقد تباينت ردود الأفعال المصرية إزاء هذه الأخبار التى تحمل اتهاماً خطيراً للحكومة المصرية بين ما هو رسمى على لسان المتحدث باسم وزارة الخارجية الذى وصف هذه التقارير بأنها قديمة ومغلوطة وأنها موجودة فى تقرير مخصص للحكومات وليس للنشر فى الصحف، وبين ردود الأفعال الشعبية التى اختلفت تماماً عن الموقف الرسمى حيث داعب الخبر خيال الجماهير وتمنت لو كان صحيحاً، كما حملت جلسات المقاهى فرحة شعبية طاغية تحيى الدهاء والدهاة والمكر والماكرين وتغفر للحزب الوطنى كل جرائمه فى حق شعب مصر، كما تستدعى سير رجال مثل رأفت الهجان وجمعة الشوان، وتفترض وجود أبطال وعلماء ظلوا يعملون من خلف الستار لسنوات، وشطح الخيال بالبعض لدرجة أنهم توهموا أن تكون مصر قد غافلت العالم وقامت بتخصيب اليورانيوم من وراء ظهره. وهناك من مضى لنهاية الحلم فرأى قطعتى سلاح نووى مخبوءتين فى الدولاب وسط الهدوم، وهناك من زاد بأنهما موضوعتان فى ضلفة الألبسة النسائية حتى يتحرج المفتشون من العبث بهما! والبعض زعم أن القنبلتين مستقرتان داخل فرن البوتاجاز مثل الفلوس التى أخذها القاتل من رجل الأعمال بعد أن ذبح له عشيقته. ولا أنكر أننى شخصياً قد حلمت مع الحالمين وانتفضت من نشوة المغامرة حين فكرت بالمشاركة، ورسمت مخيلتى سيناريو رأيت فيه نفسى أتطوع بعملية حمل شنطة اليورانيوم ونقلها وسط المخاطر المحدقة وتوصيلها لأحد العلماء فى مختبره الذى به قدور تغلى على النار وأنابيب اختبار ملونة يتصاعد منها البخار، وذلك عبر سلسلة من المغامرات تتضمن قيادة لنشات فى الماء وسيارات سريعة على الأرض والقفز بالشنطة من سطوح لسطوح والانتقال بها فى قطار نص الليل من أجل تضليل البوليس وتضليل استيفان روستى الذى يسيطر على القطار. لكن للأسف أيقظنى من أحلامى صديقى القديم عزت بلتكانة صاحب عربة الفول الشهيرة الذى انتقل بعربته من حى إلى حى حتى استقر أخيراً بالقاهرة الجديدة. فتحت الباب لبلتكانة الذى حضر لزيارتى دون موعد فدخل مقطوع الأنفاس وجلس على أقرب مقعد. بعد أن شرب ماء وهدأ قليلا شرع يحكى لى عن سبب الزيارة المفاجئة: لدىَّ اعتراف يقض مضجعى ولم أجد غيرك ليشير علىَّ بما أفعل. قلت خير يا حاج بلتكانة. قال: طبعاً أنت عارف موضوع اليورانيوم المخصب الذى ملأ الدنيا هذا الأسبوع. قلت: هات من الآخر. قال: أنا السبب فى كل ما يحدث.. أنا الذى تسببت لمصر فى المصيبة، وأخشى أن يقوم الدكتور البرادعى بتطبيق القانون على مصر ويقوم العالم بحصارها وعقابها على فعلتها الشنعاء، والله يعلم أنها بريئة وتلتزم بالشرعية الدولية ولا تفكر أبداً فى العلم أو التنمية أو البناء أو النهضة أو استقلال القرار أو أى شىء من الأشياء التى تغضب الشرعية الدولية التى يمثلها السيد «كون شى فون» الأمين العام للأمم المتحدة. قلت له: ماذا فعلت بالضبط يا بلتكانة يا شرير؟ قال والدموع فى عينيه: إن الموقع الذى عثروا فيه على اليورانيوم المخصب هو الذى كنت أقف فيه بعربة الفول حتى عام 2007 وأنت تعلم أننى أسرح بالعربة وراء الرزق، وعندما كان بمصر مشروع نووى تحتشد له الدولة كان زبائنى بالمئات ومنهم علماء المشروع، ولكن بعد نقل تبعية هيئة الطاقة الذرية من رئيس الجمهورية إلى رئيس الوزراء ثم إلى وزير الكهرباء تسرب العلماء الواحد تلو الآخر وأصبح الحال لا يسر، خصوصاً بعد أن علمنا أن الهيئة سيتم نقلها إلى وزارة الأوقاف عند الأخ زقزوق.. هنا كان لابد أن أرحل إلى مكان آخر بعد أن هاجر الزبائن. قلت وأنا نافد الصبر: وبعدين يا بلتكانة، إلام يفضى كل هذا الهراء؟ قال فى خجل: التتبيلة يا أستاذ.. تتبيلة الفول أو الخلطة التى كنت أضعها فى الساندويتشات والأطباق، لقد كنت وعلى مدى سنوات أتخلص مما يتبقى من الخلطة وألقى بها يومياً فى الفضاء ورائى دون أن أدرك أن الإشعاع الناتج عن تلاقح الخلطة مع الزيت الحار تحت ضغط الأيام المرة يمكن أن ينتج آثاراً تشبه اليورانيوم المخصب. قلت لعزت بلتكانة: إن اعترافك لن يعفيك من المسؤولية لكنه قد يخفف العقوبة.. ليس أمامك يا حلو سوى أن تصلح غلطتك وتذهب ومعك عربة الفول للدكتور البرادعى والأستاذ «كون شى فون» وتريهما بياناً عملياً عن اليورانيوم المخصب الذى أنتجته مصر دون قصد نتيجة تتبيلة البروفيسور عزت بلتكانة!.