ما كل هذه الكوارث؟ أنفلونزا خنازير بينما دوامة الأزمة المالية العالمية فى عنفوانها. هل ضاق الكون بالبشر فقرر أن يتخفف منهم زرافات زرافات.. أم أن فساد البشر تجاوز حد الله، فسلط عليهم «أحط» وأقذر ما فيهم؟.. السماء بالفعل غاضبة. ■ ■ ■ أنفلونزا.. وخنازير! فيروس تافة ووسيط مكروه. الجزاء إذن من جنس العمل. اغتر البشر بعلمهم وثرائهم ونفوذهم، ولم يعد للموت قيمة رادعة فى حياتهم. نسوا أنهم يحملون فى الحقيقة بذرة فنائهم، واعتقدوا أنهم يرتعون وحدهم فى كون بلا صاحب. نسوا أن قيامتهم تحت أقدامهم، وأن الله أكثر عناداً وأشد مكراً وأعظم غروراً وجبروتاً. حشدوا واحتشدوا، وكلما ظنوا أنهم كسبوا جولة.. أخذهم الله بأتفه منها. أنفلونزا خنازير؟.. السماء تسخر إذن من ديدان الأرض. ■ ■ ■ أن يموت إنسان فى حرب. لو قلنا إن الحرب وسوسة شيطان رجيم، وثوابها نصر أو شهادة، فماذا نسمى ضحية الوباء؟. أهو شهيد أيضاً، أم كائن سيئ الحظ لأنه انحشر فى صراع بين إرادة الله وإرادة الشيطان؟. أنا أرى أنه «شهيد»، لأن الحروب أصبحت تنتقى ضحاياها بفضل طفرة مروعة فى تكنولوجيا القتل، ولأن ضحية الوباء يدفع، على غير رغبته، ثمن ما يمكن أن أسميه «إعادة الانضباط» إلى حركة الكون. ■ ■ ■ أتابع اقتراب الوباء من مصر. قرأت تصريحاً لوزارة الصحة نشرته صحيفة يومية: «نعمل وكأن مصر فى حالة حرب». وقرأت فى صحيفة أخرى أن الوباء «قضية أمن قومى». وتذكرت أننى شاهدت مواطنين مصريين أكثر من مرة يُقلبون فى صناديق الزبالة بحثاً عن طعام: نحن كما ترى جاهزون لهذه الحرب، أى مهزومين قبل ظهور حالة اشتباه واحدة. ■ ■ ■ احسب: كم مخالفة مرت ونحن منهمكون فى ملاحقة الوباء؟ كم جريمة قتل وإهمال وسرقة مال عام؟ ثم كم خنزيراً موبوءاً يختبئ فى علب السلطة بينما نحن نلاحق خنازير الزرائب؟ أنت تقول إن دس الفيروس تحت جلد خنزير.. غضب من الله، وأنا أوافقك، لكننى سأضيف وأقول إن ثمة خنزيراً فى كل خرابة فى هذا البلد. كل هيئة أو مؤسسة أو جهة عمل تربى نوعين من المخلوقات: خنازير تستولى على خيراتها، وبشر يتقاتلون على زبالتها... هذا هو الوباء. ■ ■ ■ هل تختلف الخنازير باختلاف المزارع؟ بمعنى: هل يختلف خنزير السياسة عن خنزير الثقافة عن خنزير البيزنس؟ لا أظن، لأن الأصل فى «الخنزرة»: أولاً.. تخانة الجلد إلى حد يصبح النقد والهجوم (أى الضرب المبرح) رصيداً يضاف إلى دسم الجسم. ثانياً.. التواضع إلى حد الانحطاط والانبطاح والإقبال على زبالة أولياء النعم بشهية طاغية وحقيقية. ثالثاً.. التعود على دلدلة الرأس بحيث يصبح الأنف والفم عند مستوى سن الحذاء، إما بغرض مسحه وتلميعه أو التلذذ برائحة عفن القدم. أين الاختلاف إذن؟! أعتقد أن «خنزرة» البشر لا يختلف بعضها عن بعض، ولا تختلف عن مثيلتها فى الحيوانات إلا لكون البشر مجبولين على إخفاء «نجاساتهم» وأصولهم السياسية والاجتماعية والثقافية المخجلة.