قراءة صفحة الوفيات مسألة مهمة للكثيرين.. فهى نافذة عند السواد الأعظم من المواطنين للتعرف على الأحداث الأليمة لآخرين نحبهم أو نكرههم، وتتيح لنا تقديم واجب العزاء فيمن يهموننا منهم، فمعظم المصريين أصحاب واجب.. كما أنها تكشف عن العلاقات الخفية وصلات النسب والقرابة بين المسؤولين.. والبعض يرى فى قراءة المشاطرات لكبار المسؤولين فرصة للتعرف على شبكات أصحاب المصالح.. وأصبحت هذه المشاطرات إحدى وسائل النفاق الرخيص والتقرب إلى المسؤولين. والأسبوع الماضى، توفيت السيدة الفاضلة منى السيد عبد الفتاح حرم الدكتور أحمد نظيف بعد صراع طويل مع المرض.. ولفت نظرى فى النعى المنشور أمران تجدر الإشارة لهما بالتقدير والاحترام.. الأول أن النعى المنشور بالأهرام تضمن رجاء بعدم المشاطرة بالنشر فى الصحف.. ورغم هذا الطلب الذى يبدو غريبا بعض الشىء، فإنه نال استحسان كثيرين ممن قرأوه، لأنه قطع الطريق على المنافقين الذين كانوا يجدونها فرصة ذهبية للبدء فى سباق محموم من المشاطرات، وهؤلاء هم الذين تجدهم جاهزين دائماً لمشاطرة أو تهنئة كل مسؤول حالى، ولا تجد منهم أى مواساة أو تهنئة لأى مسؤول سابق. ورغم أننى أحد الذين ينتقدون أداء حكومة الدكتور نظيف، ورغم أن الموقف الآن لا يحتمل أكثر من تقديم واجب العزاء له ولأسرته فى فقيدتهم، إلا أن رغبتهم فى منع المشاطرات لهم بالصحف تأتى فرصة مناسبة للوقوف فى وجه من يملأون الدنيا ضجيجاً بنفاقهم وريائهم.. فلا يمكن لعاقل تصور أن كثرة المشاطرات التى يبالغ فيها أصحاب المصالح من حيث حجمها والإنفاق البذخ عليها هى من فرط المحبة، ولكنها تعكس أكبر صور النفاق الرخيص الذى لا مبرر له.. فالعزاء مكانه دار المناسبات، ولو فات موعد العزاء يمكن إرسال تلغراف بأقل من جنيه.. أما النشر فى الصحف مقابل عدة آلاف من الجنيهات فهو إحدى صور إهدار المال المتعددة التى لا تتناسب إطلاقاً مع الوضع الاقتصادى المتدهور الذى تشهده مصر.. فلا تنشر مشاطرة بالحجم «الجامبو» إلا كانت سبباً فى استفزاز المواطنين، ويكون التساؤل الطبييعى، كيف تدعى الحكومة الفقر وتنفق بهذا البذخ فيما لا يفيد؟ وعدد كبير من المشاطرات من شركات حكومية، وعدد آخر غير قليل من رجال أعمال مقترضين أموالاً من البنوك. والمقياس الحقيقى لحب الناس لمسؤول هو مشاطرتهم له بعد زوال المنصب.. أما المشاطرات أثناء المناصب فهى ليست إلا نفاقاً ممجوجاً ورخيصاً.. ومنذ شهور توفيت خالة أحد الوزراء، وكان أحد المسؤولين السابقين قد توفى فى نفس اليوم.. فامتلأت الصحف بمشاطرات ضخمة للوزير الذى ماتت خالته، بينما لم يذكر أحد المسؤول السابق ولو بسطر.. ومنذ أيام توفيت والدة الدكتور عصام شرف وزير النقل السابق، فشاطره كثيرون، لأنه كان وزيراً محبوباً ونظيفاً، فجاءت المشاطرات دليل حب حقيقى ومحفوظ له، لأنها جاءت بعد زوال المنصب، ولو كان الدكتور عصام شرف لا يزال وزيراً بالحكومة، لكانت المشاطرات أضعاف ما تم نشره، ولكنها ستكون عديمة القيمة. والمسؤول الذى يفرح بمشاطرات الناس له فى الصحف إذا كان لا يزال متمتعاً بمنصبه، غبى أو فاسد.. فلكل شىء قدر وحدود.. ولو زادت الأمور على حدودها وموازينها، تنقلب للضد تماماً، وتصيب الناس بحالة من الضيق من المشاطر بكسر الطاء أو المشاطر بفتحها. أما الأمر الثانى اللافت للنظر، فهو حجم النعى العادى جداً بصفحة الوفيات بالأهرام يوم الأربعاء الماضى.. فقد تم نشره على عمود واحد بصفحة الوفيات، مثل أى نعى عادى، وليس على صفحة كاملة أو نصف أو ربع صفحة كما يحلو للبعض أن يفعل هذه الأيام.. وهو بصفته رئيساً للوزراء كان يستطيع أن يفعل أكثر من ذلك، إلا أن اختيار الأسرة للنعى بهذه البساطة يعكس احتراماً نقدره، خاصة فى ظل المبالغات الكبيرة فى نشر النعى والمشاطرات، وهى ظاهرة ننفرد بها فى مصر والعالم العربى، ولا تجدها فى أى دولة متقدمة.. بل إن النعى نفسه أصبح عندنا فرصة للمفاخرة بين الأسر المشهورة بالثراء.. حيث يعمد هؤلاء إلى نشر النعى على مساحات واسعة وبأبناط كبيرة للغاية.. لدرجة تشعر فيها بالمنافسه وكأن حجم النعى يعبر عن المكانة الاجتماعية.. ويتناسى هؤلاء أن الوفاة هى الحدث، أما النشر فهو من باب المظاهر الكذابة لأهل المتوفى، وربما لو تم إنفاق كل هذه المبالغ كصدقة على روح المتوفى لكان أفضل له. طبعا قرار رئيس الوزراء- والذى يحتمل أن يكون وصية من زوجته الراحلة- محل احترام وتقدير.. وهو مكسب له ولأسرته، رغم أنه خسارة كبيرة للصحف ولطابور طويل من المنافقين الذين كانوا يتمنون ممارسة النفاق فى هذا الحدث.. وليت الدكتور نظيف يتخذ قراره بتعميم هذا الموقف على جميع الوزراء ورؤساء الشركات العامة، حتى لو كانت الظروف الاقتصادية أفضل. البقاء والدوام لله وحده . [email protected]