بحثت عن كل الكلمات التى تؤدى إلى معنى الصراخ.. فتشت عن الحروف التى تعكس حالة الحزن والذهول.. حاولت التروى والهدوء، فصادفنى فشل ذريع.. الحكاية يمكن وصفها بالمأساة – دون مبالغة – لكننى أكتفى بأن أرويها على الرأى العام، وأهديها إلى وزير الصحة الدكتور «حاتم الجبلى». الشاب «وليد إسماعيل» مواطن مصرى، اختار البحث عن النجاح فى أقصى القارة.. ذهب إلى جنوب أفريقيا وحفر الصخر، حتى التقى بالنجاح بعد سنوات طويلة من الشقاء والعمل الجاد المتواصل.. مشكلته أنه كان من أصحاب الوزن الزائد.. لم يسبب له الأمر أزمة نفسية، بل أضفى عليه خفة ظل شديدة.. وقبل أكثر من شهر جاء إلى مصر ليقضى إجازته السنوية.. نصحه البعض بعرض أمره على طبيب، لعله يساعده على إنقاص وزنه.. اهتم بالنصيحة فذهب طائعا مختارا إلى أحد الأطباء المرموقين من أصحاب الصيت الذائع.. استقبله الطبيب النجم مهونا من الأمر.. مؤكدا أن جراحة بسيطة تكلفه فى حدود 20 ألف جنيه، يمكن أن تحوله إلى غزال شديد الرشاقة.. الطبيب طلب من «وليد إسماعيل» أن يختار بين ثلاثة مستشفيات، مع إشارته إلى الأفخم الذى يأخذ اسمه من القلب الرحيم!! فهى «دار» استثمارية فيها إمكانيات لا تقل عن تلك التى انتهت إليها أوروبا والدول المتقدمة. تم إجراء الجراحة.. عاش الشاب «وليد إسماعيل» يومين من الألم والصراخ سائلا الرحمة من معاناته.. كان الطبيب يهدّئ من روعه بأن الأمر عادى وطبيعى.. بعد 72 ساعة ذهبت أسرته لزيارته فكانت المفاجأة أن الحالة خطيرة جداً وتم إجراء جراحة ثانية فى اليوم السابق، ونسألكم الدعاء له بأن يتم الله شفاءه.. ذهب «وليد» فى غيبوبة لم يفق منها.. بعد أيام قررت إدارة المستشفى الاستعانة بجراح آخر كبير ليتدخل، فأجرى عملية ثالثة.. عاش «وليد» داخل غرفة العناية المركزة لأكثر من ثلاثين يوماً، حتى شاءت إرادة المولى أن تصعد روحه إلى بارئها. مات «وليد إسماعيل» لأنه سلم أمره لله وللطبيب النجم والمستشفى الفاخر.. الخسارة الفادحة فى رحيل الإنسان، أعقبتها الأحداث المأساوية.. لتكتمل ونصل إلى قمة التراجيديا.. فالمستشفى الاستثمارى الفاخر جدا والرابض على أرض تحمل الانتصار!! يطالب أسرة الفقيد بتسديد مبلغ يزيد على 303 آلاف جنيه.. أؤكد مرة أخرى المبلغ فوق الربع مليون جنيه بأكثر من 53 ألف جنيه.. غرقت الأسرة فى محيط الحزن واليأس والذهول.. بحثت عن حل بكل الوسائل.. اضطروا إلى الاستعانة بمن يضمنهم لاستخراج الجثة ودفنها.. سددوا مبلغا لتصل جملة ما تم إنفاقه ثمنا لتسلم الشاب النضر ميتا، 57 ألف جنيه.. ثم عادوا بعد دفن المرحوم للتفاوض مع إدارة المستشفى.. كان المدير رحيما وطيبا وصاحب مشاعر رقيقة!! فقرر تخفيض 90 ألف جنيه.. مرة أخرى مضطر للتكرار والتأكيد على أن المستشفى تنازل عن 90 ألف جنيه.. وطالب أسرة المرحوم بتسديد 155 ألف جنيه.. ومازالت المفاوضات مستمرة والأسرة تدبر من هنا وهناك أموالا وتدفعها للمستشفى حتى لا يدخل أحدهم السجن ويدفع ثمن الالتزام تجاه المستشفى الفاخر.. وتبقى المأساة أو قل الكارثة شاهدة على قسوة وغلظة قلوب أولئك المستثمرين الذين لا يعنيهم فى الإنسان المصرى غير دمه وروحه وحياته.. فضلا عن أموال ورثته!! هذه حكاية المرحوم «وليد إسماعيل»، ويمكن للدكتور «حاتم الجبلى» وزير الصحة، وهو لبيب وبالإشارة يفهم.. أن يطلب ملف الكارثة بالكامل ليطلع عليه لعله يتخذ قرارا إنسانيا.. ظنى أنه أهم من لقطاته التليفزيونية التى نتابعها، وبينها نقل مدير وحدة صحية باعتباره كان يعيش داخلها حسب المعمول به فى الوحدات الريفية.. تفاصيل المأساة وفصولها طويلة وعريضة أدخرها انتظارا للحظات من الرحمة قد أجدها عند وزير الصحة! [email protected]